من الجنة التي هي دار النعيم إلى دار التعب والعناء والتسبب في هتك عورته بعد ما كانت مستورة عنه وما هذا إلا عن عداوة أكيدة وهذا كقوله تعالى " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ".
وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون (28) قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون (29) فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون (30) قال مجاهد كان المشركون يطوفون بالبيت عراة يقولون نطوف كما ولدتنا أمهاتنا فتضع المرأة على قبلها النسعة أو الشئ وتقول.
اليوم يبدو بعضه أو كله * وما بدا منه فلا أحله فأنزل الله " وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها " الآية. قلت كانت العرب ما عدا قريشا لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها يتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها وكانت قريش وهم الحمس يطوفون في ثيابهم ومن أعاره أحمسي ثوبا طاف فيه ومن معه ثوب جديد طاف فيه ثم يلقيه فلا يتملكه أحد ومن لم يجد ثوبا جديدا ولا أعاره أحمسي ثوبا طاف عريانا وربما كانت امرأة فتطوف عريانة فتجعل على فرجها شيئا ليستره بعض الستر فتقول.
اليوم يبدو بعضه أو كله * وما بدا منه فلا أحله وأكثر ما كان النساء يطفن عراة بالليل وكان هذا شيئا قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم واتبعوا فيه آباءهم ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند إلى أمر من الله وشرع فأنكر الله تعالى عليهم ذلك فقال " وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها " فقال تعالى ردا عليهم " قل " أي يا محمد لمن ادعى ذلك " إن الله لا يأمر بالفحشاء " أي هذا الذي تصنعونه فاحشة منكرة والله لا يأمر بمثل ذلك " أتقولون على الله ما لا تعلمون " أي أتسندون إلى الله من الأقوال ما لا تعلمون صحته وقوله تعالى " قل أمر ربي بالقسط " أي بالعدل والاستقامة " وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين " أي أمركم بالاستقامة في عبادته في محالها وهي متابعة المرسلين المؤيدين بالمعجزات فيما أخبروا به عن الله وما جاءوا به من الشرائع وبالاخلاص له في عبادته فإنه تعالى لا يتقبل العمل حتى يجمع هذين الركنين أن يكون صوابا موافقا للشريعة وأن يكون خالصا من الشرك. وقوله تعالى " كما بدأكم تعودون " إلى قوله " الضلالة " اختلف في معنى قوله " كما بدأكم تعودون " فقال ابن أبي نجيح عن مجاهد " كما بدأكم تعودون " يحييكم بعد موتكم. وقال الحسن البصري كما بدأكم في الدنيا كذلك تعودون يوم القيامة أحياء وقال قتادة " كما بدأكم تعودون " قال بدأ فخلقهم ولم يكونوا شيئا ثم ذهبوا ثم يعيدهم وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كما بدأكم أولا كذلك يعيدكم آخرا واختار هذا القول أبو جعفر بن جرير وأيده بما رواه من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج كلاهما عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال " يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ". وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث شعبة وفي حديث البخاري أيضا من حديث الثوري به. وقال ورقاء بن إياس أبو يزيد عن مجاهد " كما بدأكم تعودون " قال يبعث المسلم مسلما والكافر كافرا وقال أبو العالية " كما بدأكم تعودون " ردوا إلى علمه فيهم وقال سعيد بن جبير كما بدأكم تعودون كما كتب عليكم تكونون وفي رواية كما كنتم عليه تكونون وقال محمد بن كعب القرظي في قوله تعالى " كما