نزلت الملائكة على ما هم عليه لجاءهم من الله العذاب كما قال الله تعالى " ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين " وقوله " يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين " الآية وقوله تعالى (ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون) أي لو أنزلنا مع الرسول البشري ملكا أي لو بعثنا إلى البشر رسولا ملكيا لكان على هيئة الرجل ليمكنهم مخاطبته والانتفاع بالأخذ عنه ولو كان كذلك لالتبس عليهم الامر كما هم يلبسون على أنفسهم في قبول رسالة البشرى كقوله تعالى " قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا " فمن رحمته تعالى بخلقه أنه يرسل إلى كل صنف من الخلائق رسلا منهم ليدعو بعضهم بعضا وليمكن بعضهم أن ينتفع ببعض في المخاطبة والسؤال كما قال تعالى " لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم " الآية قال الضحاك عن ابن عباس في الآية: يقول لو أتاهم ملك ما أتاهم إلا في صورة رجل لانهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة من النور " وللبسنا عليهم ما يلبسون " أي ولخلطنا عليهم ما يخلطون وقال الوالبي عنه: ولشبهنا عليهم وقوله (ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون) هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه ووعد له للمؤمنين به بالنصرة والعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة. ثم قال تعالى (قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين) أي فكروا في أنفسكم وانظروا ما أحل الله بالقرون الماضية الذين كذبوا رسله وعاندوهم من العذاب والنكال والعقوبة في الدنيا مع ما ادخر لهم من العذاب الأليم في الآخرة وكيف نجى رسله وعباده المؤمنين.
قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون (12) * وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم (13) قل أغير الله اتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين (14) قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم (15) من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين (16) يخبر تعالى أنه مالك السماوات والأرض ومن فيهما وأنه قد كتب على نفسه المقدسة الرحمة كما ثبت في الصحيحين من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله لما خلق الخلق كتب كتابا عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي وقوله " ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه " هذه اللام هي الموطئة للقسم فأقسم بنفسه الكريمة ليجمعن عباده " إلى ميقات يوم معلوم " وهو يوم القيامة الذي لا ريب فيه أي لا شك فيه عند عباده المؤمنين فأما الجاحدون المكذبون فهم في ريبهم يترددون وقال ابن مردويه عن تفسير هذه الآية: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا عبيد الله بن أحمد بن عقبة حدثنا عباس بن محمد حدثنا حسين بن محمد حدثنا محصن بن عتبة اليماني عن الزبير بن شبيب عن عثمان بن حاضر عن ابن عباس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوقوف بين يدي رب العالمين هل فيه ماء قال " والذي نفسي بيده إن فيه لماء إن أولياء الله ليردون حياض الأنبياء ويبعث الله تعالى سبعين ألف ملك في أيديهم عصي من نار يذودون الكفار عن حياض الأنبياء " هذا حديث غريب. وفي الترمذي " إن لكل نبي حوضا وأرجو أن أكون أكثرهم واردا " وقوله " الذين خسروا أنفسهم " أي يوم القيامة " فهم لا يؤمنون " أي لا يصدقون بالمعاد ولا يخافون شر ذلك اليوم، ثم قال تعالى " وله ما سكن في الليل والنهار " أي كل دابة في السماوات والأرض الجميع عباده وخلقه وتحت قهره وتصرفه وتدبيره لا إله إلا هو " وهو السميع العليم " أي السميع لأقوال عباده العليم بحركاتهم وضمائرهم وسرائرهم ثم