" ناجيت " واسم منها، فوصف القوم بها، والعرب تفعل ذلك، كقولهم: إنما هو عذاب، وأنتم غم، فجاءت في موضع " متناجين ". وقال الزجاج: والمعنى: وإذ هم ذوو نجوى، وكانوا يستمعون من رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ويقولون بينهم: هو ساحر، وهو مسحور، وما أشبه ذلك من القول.
قوله تعالى: * (إذ يقول الظالمون) * يعني: أولئك المشركون * (إن تتبعون) * أي: ما تتبعون * (إلا رجلا مسحورا) * وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الذي سحر فذهب بعقله، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: مخدوعا مغرورا، قاله مجاهد.
والثالث: له سحر، أي: رئة; وكل دابة أو طائر أو بشر يأكل فهو: مسحور ومسحر، لأن له سحرا، قال لبيد:
- فأن تسألينا فيم نحن فإننا * عصافير من هذا الأنام المسحر - وقال امرؤ القيس:
- أرانا مرصدين لأمر غيب * ونسحر بالطعام وبالشراب - أي: نغذى، لأن أهل السماء لا يأكلون، فأراد أن يكون ملكا. فعلى هذا يكون المعنى: إن تتبعون إلا رجلا به سحر، خلقه الله كخلقكم، وليس بملك، وهذا قول أبي عبيدة.
قال ابن قتيبة: والقول قول مجاهد، لأن السحر حيلة وخديعة; ومعنى قول لبيد " المسحر ":
المعلل، وقول امرئ القيس: " ونسحر " أي: نعلل، وكأنا نخدع، والناس يقولون: سحرتني بكلامك، أي: خدعتني، ويدل عليه قوله [تعالى]: * (انظر كيف ضربوا لك الأمثال) *، لأنهم لو أرادوا رجلا ذا رئة، لم يكن في ذلك مثل ضربوه، فلما أرادوا مخدوعا - كأنه بالخديعة سحر - كان مثلا ضربوه، وكأنهم ذهبوا إلى أن قوما يعلمونه ويخدعونه. قال المفسرون: ومعنى * (ضربوا لك الأمثال) * بينوا لك الأشباه، حتى شبهوك بالساحر والشاعر والمجنون * (فضلوا) * عن الحق، * (فلا يستطيعون سبيلا) * فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: لا يجدون سبيلا إلى تصحيح ما يعيبونك به.
والثاني: لا يستطيعون سبيلا إلى الهدى، لأنا طبعنا على قلوبهم.
والثالث: لا يأتون سبيل الحق، لثقله عليهم; ومثله قولهم: لا أستطيع أن أنظر إلى فلان، يعنون; أنا مبغض له، فنظري إليه يثقل، ذكرهن ابن الأنباري.
قوله تعالى: * (أئذا كنا عظاما) * قرأ ابن كثير: * (أيذا) * بهمزة ثم يأتي بياء ساكنة من غير مد، * (أينا) *، مثله وكذلك في كل القرآن. وكذلك روى قالون عن نافع، إلا أن نافعا كان لا يستفهم في * (أينا) *، كان يجعل الثاني خبرا في كل القرآن، وكذلك مذهب الكسائي، غير أنه يهمز الأولى