والكثرة في (الرحمة)، لكن دون هذه السعة والشمول، أي دلالتها على الكثرة في جانب الكم فقط، لا الكم والكيف، ومن هنا يفترضون اختصاص الرحيم بالمؤمنين فقط، كما ورد في قوله تعالى: * (... ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما) * (1)، أو يكون مختصا بالدنيا دون الآخرة.
ويمكن أن نلاحظ على هذا الفرق بأننا نجد أن كلمة (رحيم) تعني من شملت رحمته كل شئ أيضا المؤمن والكافر في الدنيا والآخرة، شأنها شأن كلمة (رحمان)، إذ ورد في الأثر: " يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما " (2)، وأما نسبة السعة في: * (... ربنا وسعت كل شئ رحمة...) *، فهي نسبة إلى مادة (الرحمة) في أي صيغة كانت، ولكن مع كل هذا يمكن أن نتبين وجود الفرق بين هاتين الصيغتين في الدلالة، وذلك من خلال ملاحظة النكتة في عنصر المبالغة فيهما، فقد لوحظ جانبا المبالغة في السعة والشمول للرحمة في لفظ (الرحمن) وهو ما نعبر عنه (بالبعد الأفقي) لها، بينما الملحوظ في صيغة (الرحيم) جانب المبالغة في الثبات والاستقرار للرحمة، وهو ما نعبر عنه (بالبعد العمودي) لها.
فقد تكون الرحمة واسعة وشاملة ولكنها لا تكون مستقرة وثابتة إلى الأبد، بل يمكن أن تتبدل وترفع لأي سبب من الأسباب وتتحول حينئذ إلى عذاب ونقمة، ويؤيد هذا ما نراه من استخدام القرآن الكريم لصيغة (الرحيم) بعد وصف (المغفرة) كقوله تعالى * (... غفورا رحيما) * (3)، تأكيدا منه: أن صفة المغفرة صفة باقية وثابتة،