وقلنا: إنهم ملجئون إلى ترك القبيح لأنه لولا المنع منه مع كونهم متخيرين في أفعالهم لصح منهم إيثاره واستحقاق العذاب به، والاجماع بخلاف ذلك وإنما يكونون ملجئين بأحد أشياء: إما أن يفعل تعالى في قلوبهم العلم بأنهم متى راموا القبيح منعوا منه، أو بأن يغنيهم بالحسن عن القبيح فلا يبقى لهم داع إليه، أو بأن يفعل في قلوبهم العلم بأنهم متى فعلوه نزل بهم الضرر العظيم عقيب فعله.
وقلنا: إن أهل الجنة لا يهرمون ولا يمرضون ولا يحزنون ولا يخافون ولا يتنافسون ولا يتحاسدون، لإجماع الأمة على ذلك، ولما نص عليه تعالى في كتابه، ولا يستبعد ذلك عارف بمثيبهم سبحانه لأنه... والمرض متولدان عن أمور يفعلها تعالى وعن. متخير في أفعاله فيصح أن لا يفعلها وإذا صح... به وكذلك القول في بقائهم أبدا لتعلقه بمقدوره... فحادثان عن أمور هي منتفية عن أهل الجنة بغير شبهة... فمتولدان عن حصول شهوات لمنازل الغير مع تعذرها...
منتفي عن أهل الجنة لأنه تعالى لا يفعل لأحد من أهلها شهوة لمنزلة غيره، وإنما يفعل فيه منها بحسب ما يستحقه أو يتفضل عليه به، وإذا لم يفعل فيهم شهوة لمنازل غيرهم مع بلوغهم أدناهم منزلة إلى غاية منتهاه من النعيم العظيم لما يتألموا بفوتها...
وبمثل هذا يجاب من يقول: أخبرونا عن من ذهبت نفسه إلى منزلة لا يستحقها أو إلى مناكح غيره، لأنه إذا لم يفعل له شهوة إلا لما قد أبيح تناوله [له] سقطت الشبهة.
وكذلك لو قيل لنا: ماذا يكون حال المثاب إن ذهبت نفسه إلى سماع المطربات من الأغاني والملاهي أو الالتذاذ ببعض المحرمات، لكان الجواب: إن ذلك مما لا يقبح عقلا وإنما قبح هاهنا لتعلقه بالتكليف ولا تكليف هناك، فإن فرضنا