فلما سمعته الأنصار يذكر التميرات والرغيف علموا أنه يعرض بهم، فاستنزلوا كعب بن مالك فقالوا: ى ا كعب انزل فأجبه، فنزل كعب يرتجز، ويقول:
لم يغذها مد ولا نصيف * ولا تميرات ولا رغيف لكن غذاها حنظل نقيف * ومذقة كطرة الحنيف تبيت بين الزرب والكنيف الهنة: تأنيث الهن، وهو كناية عن كل اسم جنس والمراد: من كلماتك أو من أراجيزك النصيف: كالثليث إلى العشير، إلا الربيع فإنه لم يرد فيما أعلم اللبن الخريف: فيه ثلاثة أوجه: أن يراد اللبن لبن الخريف على البدل، ثم يحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه وأن يحذف ياء النسب لتقييد القافية، وإنما خص الخريف لأنه فيه أدسم وأن يراد الطري الحديث العهد بالحلب على الاستعارة من التمر الخريف وهو الجنى القارص: الذي يقرص اللسان لفرط حموضته الصريف: الذي يصرف عن الضرع حارا النقيف: المنقوف وكانت قريش وثقيف تتخذ من الحنظل أطبخة فعيرهم بذلك المذقة: الشربة من اللبن الممذوق وشبهها بحاشية الكتان الردئ لتغير لونها وذهاب نصوعه بالمزج ونحوه قوله:
ويشربه محضا ويسقى ابن عمه سجاجا كأقراب الثعالب أوراقا بين الزرب والكنيف: يعنى أن دور تلك المذقة وتولدها مما تعلفه الشاء والإبل في الزروب والحظائر لا بالكلأ والمرعى، لأن مكة لا رعى بها هنم عمر رضى الله تعالى عنه في حديث إسلامه: إنه أتى منزل أخته فاطمة امرأة سعيد ابن زيد، وعندها خباب وهو يعلمها سورة طه، فاستمع على الباب فلما دخل قال: ما هذه الهينمة التي سمعت هي الصوت الخفي، والهينمان والهينوم والهنم مثلها قال رؤبة:
لا يسمع الركب بها رجع الكلم إلا وساويس هيانيم الهنم هنع إن رجلا من بنى جذيمة جاءه فأخبره بما صنع بهم خالد بن الوليد، وأنهم كانوا مسلمين فقال عمر: هل يعلم ذلك أحد من أصحاب خالد فقال: نعم، رجل طويل فيه هنع خفيف العارضين