كله بيان سبب ترك النبي صلى الله عليه وسلم وأنه بسبب أنه ما اعتاده وقد ورد لذلك سبب آخر أخرجه مالك من مرسل سليمان بن يسار فذكر معنى حديث ابن عباس وفى آخره فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلا يعنى لخالد وابن عباس فاننى يحضرني من الله حاضرة قال المازري يعنى الملائكة وكأن للحم الضب ريحا فترك أكله لأجل ريحه كما ترك أكل الثوم مع كونه حلالا (قلت) وهذا ان صح يمكن ضمه إلى الأول ويكون لتركه الاكل من الضب سببان (قوله قال خالد فاجتررته) بجيم وراءين هذا هو المعروف في كتب الحديث وضبطه بعض شراح المهذب بزاي قبل الراء وقد غلطه النووي (قوله ينظر) زاد يونس في روايته إلى وفى هذا الحديث من الفوائد جواز أكل الضب وحكى عياض عن قوم تحريمه وعن الحنفية كراهته وأنكر ذلك النووي وقال لا أظنه يصح عن أحد فان صح فهو محجوج بالنصوص وباجماع من قبله (قلت) قد نقله ابن المنذر عن علي فأي اجماع يكون مع مخالفته ونقل الترمذي كراهته عن بعض أهل العلم وقال الطحاوي في معاني الآثار كره قوم أكل الضب منهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن قال واحتج محمد بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى له ضب فلم يأكله فقام عليهم سائل فأرادت عائشة أن تعطيه فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أتعطينه ما لا تأكلين قال الطحاوي ما في هذا دليل على الكراهة لاحتمال أن تكون عافته فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يكون ما يتقرب به إلى الله الا من خير الطعام كما نهى أن يتصدق بالتمر الردئ اه وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن الضب أخرجه أبو داود بسند حسن فإنه من رواية إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بنت عتبة عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل وحديث ابن عياش عن الشاميين قوى وهؤلاء شاميون ثقات ولا يغتر بقول الخطابي ليس اسناده بذاك وقول ابن حزم فيه ضعفاء ومجهولون وقول البيهقي تفرد به إسماعيل بن عياش وليس بحجة وقول ابن الجوزي لا يصح ففي كل ذلك تساهل لا يخفى فان رواية إسماعيل عن الشاميين قوية عند البخاري وقد صحح الترمذي بعضها وقد أخرج أبو داود من حديث عبد الرحمن بن حسنة نزلنا أرضا كثيرة الضباب الحديث وفيه انهم طبخوا منها فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض فأخشى أن تكون هذه فاكفئوها أخرجه أحمد وصححه ابن حبان والطحاوي وسنده على شرط الشيخين الا الضحاك فلم يخرجا له وللطحاوي من وجه آخر عن زيد بن وهب ووافقه الحرث بن مالك ويزيد بن أبي زياد ووكيع في آخره فقيل له ان الناس قد اشتووها وأكلوها فلم يأكل ولم ينه عنه والأحاديث الماضية وان دلت على الحل تصريحا وتلويحا نصا وتقريرا فالجمع بينها وبين هذا حمل النهى فيه على أول الحال عند تجويز ان يكون مما مسخ وحينئذ أمر باكفاء القدور ثم توقف فلم يأمر به ولم ينه عنه وحمل الاذن فيه على ثاني الحال لما علم أن الممسوخ لا نسل له ثم بعد ذلك كان يستقذره فلا يأكله ولا يحرمه وأكل على مائدته فدل على الإباحة وتكون الكراهة للتنزيه في حق من يتقذره وتحمل أحاديث الإباحة على من لا يتقذره ولا يلزم من ذلك أنه يكره مطلقا وقد أفهم كلام ابن العربي أنه لا يحل في حق من يتقذره لما يتوقع في أكله من الضرر وهذا لا يختص بهذا
(٥٧٤)