غيرهم استدلوا بهذا الحديث لذلك حتى قال الرافعي في القضاء على الغائب احتج أصحابنا على الحنفية في منعهم القضاء على الغائب بقصة هند وكان ذلك قضاء من النبي صلى الله عليه وسلم على زوجها وهو غائب قال النووي ولا يصح الاستدلال لأن هذه القصة كانت بمكة وكان أبو سفيان حاضرا بها وشرط القضاء على الغائب أن يكون غائبا عن البلد أو مستترا لا يقدر عليه أو متعززا ولم يكن هذا الشرط في أبي سفيان موجودا فلا يكون قضاء على الغائب بل هو افتاء وقد وقع في كلام الرافعي في عدة مواضع أنه كان افتاء اه واستدل بعضهم على أنه كان غائبا بقول هند لا يعطيني إذ لو كان حاضرا لقالت لا ينفق على لان الزوج هو الذي يباشر الانفاق وهذا ضعيف لجواز أن يكون عادته أن يعطيها جملة ويأذن لها في الانفاق مفرقا نعم قول النووي ان أبا سفيان كان حاضرا بمكة حق وقد سبقه إلى الجزم بذلك السهيلي بل أورد أخص من ذلك وهو أن أبا سفيان كان جالسا معها في المجلس لكن لم يسق اسناده وقد ظفرت به في طبقات ابن سعد أخرجه بسند رجاله رجال الصحيح الا أنه مرسل عن الشعبي أن هندا لما بايعت وجاء قوله ولا يسرقن قالت قد كنت أصبت من مال أبي سفيان فقال أبو سفيان فما أصبت من مالي فهو حلال لك (قلت) ويمكن تعدد القصة وأن هذا وقع لما بايعت ثم جاءت مرة أخرى فسألت عن الحكم وتكون فهمت من الأول احلال أبي سفيان لها ما مضى فسألت عما يستقبل لكن يشكل على ذلك ما أخرجه ابن منده في المعرفة من طريق عبد الله بن محمد بن زاذان عن هشام بن عروة عن أبيه قال قالت هند لأبي سفيان انى أريد أن أبايع قال فان فعلت فاذهبي معك برجل من قومك فذهبت إلى عثمان فذهب معها فدخلت منتقبة فقال بايعي أن لا تشركي الحديث وفيه فلما فرغت قالت يا رسول الله ان أبا سفيان رجل بخيل الحديث قال ما تقول يا أبا سفيان قال اما يابسا فلا واما رطبا فأحله وذكر أبو نعيم في المعرفة أن عبد الله تفرد به بهذا السياق وهو ضعيف وأول حديثه يقتضى أن أبا سفيان لم يكن معها وآخره يدل على أنه كان حاضرا لكن يحتمل أن يكون كل منهما توجه وحده أو أرسل إليه لما اشتكت منه ويؤيد هذا الاحتمال الثاني ما أخرجه الحاكم في تفسير الممتحنة من المستدرك عن فاطمة بنت عتبة أن أبا حذيفة بن عتبة ذهب بها وبأختها هند يبايعان فلما اشترط ولا يسرقن قالت هند لا أبايعك على السرقة انى أسرق من زوجي فكف حتى أرسل إلى أبي سفيان يتحلل لها منه فقال اما الرطب فنعم واما اليابس فلا والذي يظهر لي أن البخاري لم يرد أن قصة هند كانت قضاء على أبي سفيان وهو غائب بل استدل بها على صحة القضاء على الغائب ولو لم يكن ذلك قضاء على غائب بشرطه بل لما كان أبو سفيان غير حاضر معها في المجلس وأذن لها أن تأخذ من ماله بغير اذنه قدر كفايتها كان في ذلك نوع قضاء على الغائب فيحتاج من منعه أن يجيب عن هذا وقد انبنى على هذا خلاف يتفرع منه وهو أن الأب إذا غاب أو امتنع من الانفاق على ولده الصغير أذن القاضي للام إذا كانت فيها أهلية ذلك في الاخذ من مال الأب ان أمكن أو في الاستقراض عليه والانفاق على الصغير وهل لها الاستقلال بذلك بغير اذن القاضي وجهان ينبنيان على الخلاف في قصة هند فإن كانت افتاء جاز لها الاخذ بغير اذن وإن كانت قضاء فلا يجوز الا بإذن القاضي ومما رجح به أنه كان قضاء لا فتيا التعبير بصيغة الامر حيث قال لها خذي ولو كان فتيا لقال مثلا لا حرج عليك إذا أخذت ولان الأغلب من
(٤٤٧)