لا وسيلة إلى حصول الشفاعة أسرع من التوبة إذ كانت النعمة المفاضة على العبد المذنب من ربه غير موقوفة الا على قبوله واستعداده بتحققها. واما بمعنى الصواب فلانه لا شفيع أصوب في قبول الرحمة من واهبها من التوبة إذ كان التوسل بغيرها من بذل مال أو نفس في مجاهدة ظاهرة أو غير ذلك مع الاصرار على المعصية وعدم التوبة منها غير نافع ولا مخلص من العذاب الحاصل بسببها فالتوسل بها إذا أصوب رأى يراه صاحب الجريمة وقد أكثر الله تعالى في تنزيله من الحث عليها والامر بها ومن وعد التائب وحمده إذ كانت التوبة سببا عظيما من أسباب السعادة الأبدية وبها النجاة من أغلال الهيئات المردية فقال عز ذكره: يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا (1) بترك محقق وندم صادق وعزم جاز عسى ربكم ان يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار (2) إرجاء واطماعا من غير جزم ايقاعا للذة الدغدغة النفسانية الحاصلة من الرجاء كيلا - ييأسوا من رحمته فينهمكوا في المعاصي بجرأة (3) وبقاء للخوف الناشئ من الوعيد عليها بالاشفاق فيتقهقروا عنها بسرعة، وقال تعالى: إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب (4) قبل ان يتمكن من جواهر نفوسهم عقارب أبدانها فلا يبقى لها قبول اثر دواء طبيب الأطباء ولا يرجى لها برء ولا شفاء، وليست التوبة للذين يعلمون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الان ولا الذين يموتون وهم كفارا، الآية (5).
وفى هذه الكلمة تنبيه باعث على المبادرة إلى التوبة إذ كان الجاني إنما يجتهد في انجح وسيلة لاستسماح جريمته وتنجيز أظفر شفيع لاستغفار خطيئته ويبالغ في أحسن الاعذار لمحو سيئته وقد ثبت ان التوبة أعظم شفيع وأنجحه وأسرعه وانفعه فيما ان بقي كان مهلكا