مصرع وهو موضع الفعل، ومصارع العقول مواضع أغلاطها، وبروق الأطماع هو تصور امكان حصول الأمور التي يتوهم الانتقاع بها فيقع الميل إلى تحصيلها والمقصود ههنا تنبيه الانسان على وجوب التثبت عندما تلوح له المطامع حتى لا يميل فيها ولا يتضرع الا لما ينبغي منها على الوجه الذي ينبغي ونبه عليه السلام على ذلك بأن أكثر أغلاط العقول منشؤها ومبدؤها (1) ونزوع القوة الشهوية نحو المشتهيات بحسب اعتقاد حصولها.
وههنا تجوز ان حسنان في التركيب والاسناد، أحدهما اسناد المصارع إلى العقول التي هي في الحقيقة للأجسام وعبر به عن انخداعها وغلطها ووقوع حركتها على غير قانون صحيح ووجه المناسبة في هذا المجاز ان العقول إذا لم تثبت على الصراط المستقيم ولم تلزم قانون العدل المأمور بلزومه بلسان الحق بل مالت بها الشهوة تارة والغضب تارة ولعبت به القوة الوهمية فأزالت أقدامها عن حاق (2) الوسط إلى طرف (3) الرذيلة التي هي أرض ونار بالنسبة إلى سماء فضيلة العدل وجنتها فلا جرم صدق عليها انها مصروعة وان لها مصارع.
والثاني نسبة البروق إلى الأطماع واسنادها إليها.
واعلم أن البرق في الأصل هو اشتعال اللامع المشاهد من السحاب ولنعين حقيقته لينكشف بها وجه المجاز، فنقول: ان الدخان المرتفع من الأرض جسم لطيف من مائية وأرضية عملت فيها الحرارة والحركة المازجة عملا قويا فقرب لذلك مزاجه من الدهنية فهو لا محالة يشتعل بأدنى سبب مشعل فكيف بالحركة الشديدة فإذا اشتعلت تلك المادة من شدة المحاكة عند تمزيق السحاب كان ذلك الاشتعال هو البرق وإذا عرفت ذلك وقد عرفت ان الطمع هو نزوع القوة الشهوية إلى تحصيل المشتهيات بحسب التصور للمنفعة واللذة واعتقاد حصولها وكانت التصورات لا تفاض على النفس الا بعد