الإبل الشاردة كما يجوز ان الا ترد فالواجب حينئذ ان يكونوا من نفارها على حذر ويتقوا ما في ذلك من عظيم خطر.
فان قلت: النعم أمور موهوبة من واهبها فاسترجاعها جائز فضبطها وحفظها غير ممكن فلا يدخل في التكليف فان كثيرا من الخلق يحافظون على أموالهم ويجتهدون في ضبطها ولا يزيدها ذلك إلا نفارا؟ - قلت: ليس المقصود من التحذير من نفارها والامر بحفظها هو حفظها بالجمع والضبط بل لعل المقصود من حفظها (حفظها) بالتفريق فان الانسان إذا فرق منها ما ينبغي ان يفرق على الوجه الذي ينبغي ان ينفق واكد ذلك السداد وأيد (1) ذلك الاستعداد بالشكر والثناء على واهب تلك النعم بما هو أهله مراعيا (2) في ذلك قانون العدل كان لذلك أثر (3) عظيم في اعداد النفس لقبول العناية الإلهية ببقاء تلك النعم ودوام تلك الإفاضة، وإذا لم يفعل المنعم عليه شيئا من ذلك وخالف مقتضى العدل فيها لم يلبث ان تنفر نفار الناقة الشرود التي يوشك ان لا تعود.
فان قلت: أليس قد قام البرهان على أن خلاف معلوم الله تعالى محال، وإذا كان كذلك فنقول: إن كان في علم الله تعالى ان تلك النعم تنفر أو لا تنفر فلابد وأن تكون كذلك، فما الفائدة في التحذير؟ وهل ذلك إلا جار مجرى قولك للزمن: لا تطر (4)؟! وإن كان في علمه عكس ذلك فلابد وأن يكون، فلا يتحقق الحذر أيضا؟ - قلت: هذا كلام (5) حق الا ان ما علم الله وقوعه أو عدم وقوعه قد يكون مشروطا وقد لا يكون، فما كان مشروطا من ذلك فيستحيل ان يوجد من دون شرطه وان صدق انه يعلم وقوعه لكن مطلقا بل بشروطه وأسبابه، فعلى هذا جاز أن يكون التوقي والحذر من نفار النعم شرطا لبقائها فلهذا الجواز كان مأمورا بالحذر. بقي علينا ان يقال: انكم