تهيئتها واستعدادها لقبولها من الفاعل عزت قدرته جرى ذلك الاستعداد وقبول النفس به (1) لاشراق تلك التصورات عن مشرقها مجرى استعداد تلك المواد وقبولها بحسبه للاشراق بذلك الاشتعال فكما ان ذلك الاشتعال والاشراق المخصوص من السحاب سبب محرك لشهوات الخلق وأطماعهم إلى نزول المطر كذلك اشراق تلك التصورات ويروقها في سر الطامع مبدؤ محرك لقوته الشهوية إلى المشتهيات فلأجل هذه المشابهة صح اسناد البروق إلى الأطماع.
واما برهان هذه القضية فظاهر بعد احاطتك بالأصول السابقة وذلك انك عرفت ان سبب وقوع النفس وتورطها في الرذائل المستلزمة للنقصان هو انحراف إحدى القوتين أعني الشهوية والغضبية ومتابعة العقل لها وميلها به إلى مقتضى طباعها من طرفي الافراط والتفريط مما هو المعنى بمصارعه. وههنا دقيقة وهي (2) انه عليه السلام خصص المصارع بجهة تحت دون سائر الجهات وذلك من أوضح (3) الدلائل على اطلاعه على نكت الاسرار ومعرفته التامة بنظم الكلام ووجوه المجازات المستحسنة.
إنما خصصها بتلك الجهة لاحد وجهين:
أحدهما - ان مصارع العقول من مسببات (4) بروق الأطماع والمسبب أدون من السبب والسبب والسبب أعلى والمسبب تحت بالنسبة إليه وليست الجهة الجهة الحسية بل الجهة العقلية.
الثاني - ان بروق الأطماع لما كانت علامات للطامع على حصول المنفعة واللذة حتى لزم عن ذلك أن انصرع عقله كانت بروق الأطماع دلالا ت (5) على مصارع العقول ولا شك ان الدليل أظهر من المدلول واعلى في الذهن واسبق وجودا منه فينبغي أن تكون مصارع العقول التي هي المدلول تحت بالنسبة إلى دليلها، والله ولى الهداية والتوفيق.