عن (1) لسان الذام الاحسان لا يفعل ذلك التفريق في اللسان بل يكون بسببه منع اللسان من الحركة بما لا ينبغي، ووجه المناسبة انه كما أنه الغاية من قطع اللسان بالآلة القطاعة ترك الكلام فكذلك في الغاية من اسكاته بالعطية، وهذا من محاسن الاستعارة.
واما علة هذا الحكم فنقول الاحسان قسمان، ذاتي وعرضى، فالذاتي هو الذي يصدر عن الأخيار الفضلاء وذلك أن سيرهم محمودة محبوبة فهم محبوبون لذواتهم وأفعالهم مسرورون بأنفسهم مسرور بهم غيرهم، وكل أحد يجب ان يواصلهم ويصادقهم، فهم أصدقاء أنفسهم والناس أصدقاؤهم، ومن هذه سيرته فتجده يحسن إلى الناس بقصد وغير قصد إذ كانت أفعاله محبوبة لذيذة والمحبوب اللذيذ مختار ومطلوب، وإذا كان كذلك فلابد وان يكثر المقبلون عليه والمحتفون به، ومن كانت هذه حاله برئ ان (2) يصل إليه ذم أو يلحقه لوم بل تكون الألسنة مقطوعة عنه بل هي دائما رطبة بالثناء عليه متحركة بشكره فضلا أن تكون ذامة له وهذا هو الاحسان الذي يبقى ولا ينقطع، ويزيد ولا ينقص، ويكون به الاخوة الصادقة والمحبة المطلقة. واما العرضي فهو الذي ليس بخلقي ولا معتاد لصاحبه ولا شك انه منقطع والمحبة العارضة عنه محبة عرضية مقيد دوامها بدوامه باقية ريثما هو باق وفيها زيادة ونقصان من طرفي المحسن والمحسن إليه، فان محبة المحسن تكون أشد من محبة المحسن إليه: واعتبر ذلك في المقرض والمستقرض تجد المقرض أشد محبة للمستقرض منه للمقرض وربما كان داعيا له بالبقاء وسبوغ النعمة والكفاية وإن كان كل ذلك ليصل إلى حقه وليعود إليه ماله لا لمحبة خالصة، واما المقرض فليس له هذه الهمة ولا ذلك الدعاء ولكن يكون شهوته إلى الاحسان ومحبته له أشد من محبة المحسن. وإذا عرفت ذلك فمثل هذا الاحسان وإن كان قاطعا للسان الا ان قطعه ليس بدائم ولا مستمر بل هو موقوف على دوام الاحسان، وقد يتفق لمثل هذا المحسن ان لا تنقطع عنه الألسنة عند وقوف الخلق واطلاعهم على أن ذلك الاحسان عرضى.