ولم يطلبه ومن قطع طمعه من شئ لم يحزن لفقده بل صرف سعيه إلى المطلوبات الصافية واقتصر بهمته على اقتناص المحبوبات الباقية وأعرض عما ليس في طبيعته ان يثبت ويبقى فإذا حصل له منها شئ بالعرض بادر إلى وضعه في مواضعه واقتصر منه على مقدار (1) لابد منه في دفع الآلام المحصاة من الجوع والعرى وترك الاستكثار والتماس المباهاة به والافتخار ولم يحدث نفسه بالمكاثرة بها (2) والتمني لأمثالها حتى إذا فارقته لم يأسف عليها فإنه متى فعل ذلك آمن (3) فلم يجزع وفرح فلم يحزن وفاز بالسعادة الأخروية ونال الدرجات العلية، ومن لم يتدبر الوصية ولم يعالج نفسه بما ذكرناه لم يزل في جزع دائم، إذ لا يعدم (4) في كل وقت فوت مطلوب أو فقد محبوب إذ (5) كان ذلك من لوازم عالمنا عالم الكون والفساد، ومن طمع من الكائن الفاسد ان لا يكون ولا يفسد فقد طمع في المحال ولم يزل خائبا، والخائب ابدا محزون، والمحزون ابدا شقى ومن استغشى (6) العادة الجميلة وهو الرضا بما يجده ولم يحزن لشئ يفوته لم يزل سعيدا مسرورا ورضوان الله أكبر، ذلك هو الفوز العظيم (7).
واعلم أن الجزع أمرا طبيعيا ولا ضروريا بل هو مما يخيله الانسان ويضعه وضعا إذ لو كان طبيعيا لما انفك منه (8) لكنه قد ينفك منه ويعود إلى حال الغبطة والسرور وهو أمر مشاهد كما رأينا (9) - كثيرا ممن فقد (10) الأولاد والأعزة والأصدقاء والأحبة فاشتد (11) جزعهم عليهم ثم لم يلبثوا ان عادوا إلى حال المسرة والغبطة والاعجاب والضحك وكذلك ممن فقد المال والصنائع والمقتنيات المستحسنة رأيناهم بعد الجزع الشديد قد سلوا وعادوا إلى حال السرور فالجزع إذا من العوارض الطارية الزائلة التي لا يختص بها شخص دون