فلا تشتاق النفس إلى الانتقام وفائدة عدم اعتقاد سهولته انه لو حصل اعتقاد السهولة لكان كالحاصل فلا يشتد الشوق إلى تحصيله ولذلك لا يبقى الحقد مع الملوك، وفائدة عدم اعتقاد صعوبته انه لو لو حصل ذلك الاعتقاد لكان كالمعتذر (1) فتقصر النفس عن الشوق إلى حصوله ولذلك لا يبقى أحقد مع الفقراء، واما الاستخفاف والاحتقار والاستهانة بالمنزلة والمقصود بيان ان من كثر مزاحه لم تخل حاله ممن يمازحه ويحاربه من أحد حالين اما حقد عليه أو استحفاف منه وهذه قضية متصلة مقدمها قولنا: من كثر مزاحه وتاليها اللازم لها قضية منفصلة مانعة الجمع والخلو وبيان ذلك أن المتمازحين اما ان يكونا شريفين أو وضيعين أو أحدهما شريفا والاخر وضيعا أما الأول فلان المزاج يزرع بينهما حقدا باقيا ولا يحصل مع ذلك استخفاف من أحدهما بالآخر لاعتقاد كل واحد منهما شرف الاخر، واما الثاني فلان المزاح يوجب بينهما استخفافا واستصغارا من كل واحد منهما لصاحبه ولا يتصور هناك حقد اما لان سلاطة كل واحد منهما على الاخر وجرأته عليه واستخفافه به قام مقام انتقامه منه، أو لاعتقاد كل واحد منهما ان الانتقام صعب، واما الثالث فلان المزاح يوجب بينهما أيضا الاستخفاف دون الحقد، اما من الشريف فلاستصغاره أمر الضعيف وسهولة الانتقام منه فلا يبقى له غضب في حقه، واما من الضعيف فلان استخفافه بالشريف وسلاطته عليه من جهة بسطه لنفسه معه يجرى في حقه مجرى انتقامه منها أو انه لاعتقاده صعوبة الانتقام لا يبقى له الحقد فثبت بما قررناه ان الحقد والاستخفاف لا يجتمعان ولا يرتفعان، واما بيان الملازمة فلان كثيرا المزاح مستلزم لحركته تلك لثوران القوة الغضبية من الممزوح معه وبثوران الغضب يكون أحد اللازمين المذكورين. فاعلم أن المزاح قد يكون محمودا وقد يكون مذموما، والأول هو المزاح المعتدل المقدار الذي لا يخرج بصاحبه في الكمية و الكيفية إلى ما لا ينبغي، والوقوف على المقدار المعتدل منه وإن كان صعبا لغلبة القوة الشهوية
(١٦٠)