حذرا من الذم والسب الصادق، والكذب هو القول الغير المطابق لما عليه الامر في نفسه، والكذوب هو متعود الكذب، والمقصود من هذه الكلمة بيان ان المروة والتعود للكذب مما لا يجتمعان وبيانه ان الكذب لما كان من الرذائل المستقبحة إذ كان مضادا (1) لمصلحة العالم ولأنه قد يوقع بالمكذوب عليه أمورا مكروهة لا يكون شاعرا بها فيكون ذلك سببا منفرا للطباع وعلة لاستقباح (2) العرف والشرع وكان التعود به يكسب النفس ملكة متمكنة من جوهرها بسببها يجترئ على التظاهر بلزوم القبيح وعدم التخفي بفعله واحتمال المكافحة (3) بالذم والسب الصادق وعدم تصديق الخلق له في وجهه (4) ولذلك قيل: ان الكذوب لا يصدق ومنه المثل السائر في العامة: من عرف بالصدق جاز كذبه، ومن عرف بالكذب لم يجز صدقة، قال أبو عبيد: ومما يحقق هذا المثل حكم الله في الشهادة انها مردودة من أهل الفسوق، ولعلهم قد شهدوا بالحق، هذا مع ما يلزم ذلك من جرأته على مقابلة النهى الشرعي وقلة مبالاته والوعيد فسمى وقحا وخسيسا لاجرم كانت المروة منافية لذلك لان ملكة مواقعة القبيح والميل إليه مع الملكة الموجبة للاحتشام والترفع مما لا يجتمعان، ولذلك قال بعض الحكماء: لو لم يترك العاقل الكذب الا للمروة لقد كان حقيقا بذلك (5) فكيف وفيه المأثم والعار، وذلك يدل على أن المروة تسقط مع الكذب فكيف مع تعوده.
واعلم أن المروة لما كانت من صفات الكمال الانساني مما يجب طلبه فكان ذلك مستلزما للامر بترك مالا يجتمع معه وهو تعود الكذب وهذا مع ما اتفقت عليه كلمة النبيين وتطابقت عليه مقالات الحكماء الراسخين من قبح الكذب وذمه ووجوب الردع