النفس الوقوف عن الأعمال ويصير ذلك ملكة لها إلى غير ذلك من الأسباب، والملول هو من حصلت لنفسه ملكة ذلك الانصراف والالتفات وكثرته لكثرة عروض أسبابه، وإذا عرفت ذلك عرفت ان فضيلة الوفاء لا توجد لنفس الملول لأنه إذا تكيف بهذه الملكة لم يتمكن من اتمام أمر فضلا عن حسن القيام به والمواظبة عليه وكان داخلا في زمرة الغادرين وكان ذلك موجبا لتنفر طباع الخلق عنه في المعاملات حتى أنه لو كان صاحب حرفة أو سالكا لطريق (1) العلم لم يمكنه ان يتوصل بشئ من هذه الأسباب إلى اصلاح معاش أو معاد بل كان أسوأ حالا من أصحاب البطالة لأنهم ربحوا الراحة عن الحركات المتعبة في تعلم تلك الطرق (2) والصنائع.
وفى هذه الكلمة تنبيه للملول على وجوب معالجة نفسه والاجتهاد في حل عقدة الملال بتحصيل أضداد أسبابه والتعويد لها والتمرن عليها ليمكن ان تحصل له ملكة الوفاء التي هي من الفضائل العظيمة وهي محمودة بكل لسان ومستحسنة عند كل عاقل ويعترف بها كل انسان وان قل حظه من الانسانية وتجدها موجودة في أصناف الخلق كالروم والحبشة والنوبة وكثير من أجناس (3) العبيد (4).
وقابلها الغدر في جميع ما ذكرنا أعني انه مذموم بكل لسان ينفر السامع من ذكره ويأنف منه كثير من أجناس العبيد. وشرف الشئ يبين من خساسة ضده وقد أثنى الله تعالى على صاحب هذه الفضيلة في مواضع من كتابه قال تعالى: والذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق (5) وقال: والموفون بعهدهم إذا عاهدوا (6) وقال تعالى في الامر به: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها (7) وقد تمدح تعالى باثبات