حرمانها لازما من لوازم الحرص المذموم لما عرفت ان المقبل بوجهه على الانهماك في طلب حاضر اللذات منقاد بكف سلطان الشهوة إلى دنى المشتهيات، مشغول اللوح عن الانتقاش بالآثار العلوية، غير مستعد لقبول الأنوار القدسية، ومن لم يستعد لأمر كان محروما منه وهو سبب الحرمان وعلة فوت الاحسان من غير تقصير من الفاعل ولا نقصان، ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك (1)، بمتابعة (2) هواها وعدم الاستعداد لاحسان مولاها، واعتبر ما قلنا (في أنه) من لم يستعد لشئ كان محروما منه تجد الحريص على اقتناء أبقى اللذات وهو الحرص المحمود مشغولا بأضداد ما اشتغل به المحروم الشقي محروما (3) بعدم استعداده للملذ الدنى والكمال الوهمي البدني فيصدق حينئذ ان الحرمان مع الحرص في المحرومين الحريصين من الطرفين.
وقد تصدق هذه القضية في المتعارف الظاهر على وجه آخر وهو ان الحرص في طلب العطايا والمنح الدنيوية قد يكون مستلزما لحرمان الطالب، وإذا (4) قلنا إن القضية مهملة أمكن حملها أيضا على هذا المطلوب وبيانه ان الحرص يستلزم اللجاج والالحاف (5) في السؤال مما ينفر طباع المطلوب منه لما انهما لازمان للرذيلة المنفور منها طبعا ويولد السأم، والنفرة مستلزمة للبغض المنافى للميل إلى العطاء، وحينئذ يصدق ان الحرص سبب الحرمان والمعلول مع علته في الوجود.
وأنت إذا سبح فكرك في بحر جواهر كلامه علمت أن ينابيع الحكم (6) منبعثة منه، وان علوم كثير العلماء جداول تأخذ (7) عنه، شعر:
وإذا قضى في المشكلات ترادفت * حكم تريك الوحي كيف تنزلا