اقتناء الأمور الفانية من اقتناء الأموال وجمعها والازدياد بها من أي وجه كان وعلى أي وجه كان أعني (1) ان لا يكون مراعيا فيها قانون العقل والحرية ويعلم مما سبق ان الحرص المذموم مستلزم لطرف الافراط من طرفي فضيلة العفة إذ كان مستلزما للخروج في (2) الطلب إلى مالا ينبغي وما لا يرخص في طلبه الشريعة ولا العقل فيكون المطلوب من (3) محال الحرمة ومواضعها وإذا تحقق الحرص المذموم في الانسان فقد صدق عليه انه مواقع للحرام لا محالة (4) فهو غير مجتنب لمحرم وبه يخرج عن العفة وبخروجه عنها يخرج عن العدالة ويدخل في زمرة الفجار ولذلك كثيرا ما ذم عليه السلام أرباب التجارات فقال: التاجر فاجر والفاجر في النار الامن أخذ وأعطى الحق، فقوله: التاجر فاجر إشارة إلى أن التاجر لا يخلو في غالب الامر من الحرص المذموم فيخرج به عن ملكة العفة إلى طرف الفجور، وقوله: " الامن أخذ الحق وأعطى الحق " أي الخالي عنه الملازم لفضيلة الحرية التي هي نوع من أنواع العفة، ولما كان تعلم الاحكام الشريعة والتحلي بآداب الشريعة كثيرا ما يصدر عن ذلك الحرص كان من الواجب ان يقدم الانسان على السعي في التجارة العلم بتلك الاحكام ليتميز للمتجر ما ترخص الشريعة فيه من غيره، روى أنه عليه السلام كان يدور في الأسواق ويقول معاشر الناس الفقه ثم المتجر، الفقه ثم المتجر، والله للربا في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على الصفا. وقال عليه السلام:
من أتجر بغير علم ارتطم في الربا ثم ارتطم، والارتطام التوحل، وروى عن الصادق عليه السلام أنه قال: من لم يتفقه في دينه ثم أتجر تورط في الشبهات، وكل ذلك إشارة إلى أن تعلم الاحكام (5) الفقهية والآداب الشرعية مانع للخلق من الحرص المذموم كاف (6) لهم عن الانهماك في الشهوات وذلك يستلزم امتناع اجتماع اجتناب المحارم مع الحرص المذموم.