ثم أن السلطان (بهاء الدولة) أخذ جماعة فسجنهم، وأبعد ابن المعلم عن بغداد.
فسكنوا، وعاد أبو حامد الأسفراييني إلى مسجده. ثم شفع علي بن مزيد (الأسدي) في ابن المعلم فأعيد إلى محله (1) ولعله لهذا قال عنه ابن كثير (ت 744 ه) في " البداية والنهاية ": كانت له وجاهة عند ملوك الأطراف، لميل كثير من أهل ذلك الزمان إلى التشيع (2).
وقال معاصره اليافعي (ت 768 ه) في تاريخه " مرآة الزمان ": كان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية (3)... وكان عضد الدولة بما زاره في داره (4) ويعوده إذا مرض (5).
وقال معاصر هما ابن تغرى بردى في كتابه " النجوم الزاهرة " في ملوك مصر والقاهرة ": وكانت له منزلة عند بني بويه وعند ملوك الأطراف الرافضة... وبنو بويه كانوا ا يميلون إلى هذا المذهب... ولهذا نفرت القلوب منهم وزوال ملكهم بعد تشييده (6) فلم يقولوا برا فضية آل بويه وإنما قالوا بميلهم إليهم، لما مر أنهم أحيانا كانوا ينفونه أو يبعدونه عن بغداد، وإن كانوا يقبلون الشفاعة فيه بعد ذلك للعودة إليها فلم يكن البويهيون متبنين للشيخ المفيد مائة بالمائة، بل كان الشيخ المفيد يستفيد من الحرية الفكرية والعقائدية المتاحة للجميع في عهد البويهيين الشيعة. ولعل هذا هو السر في عدم اعتداد تلميذيه الطوسي والنجاشي بذكر علاقة البويهيين بشيخهم المفيد.
ولم يصرح ابن الأثير على تاريخ الشفاعة وعودة الشيخ إلى بغداد، ولعله كان بعد عامين من الحوادث 408 ه أي قبيل وصول الكتاب إلى جناب الشيخ في 410 ه أو أقل من ذلك. ولعل هذه الحوادث هي ما جاءت الإشارة إليها في كتاب الناحية المقدسة إلى المفيد.
وأما ما جنح إليه كثير منهم مما كان يبتعد عنه سلفهم الصالح، مما جعل علة للذل الذي أصابهم، فلعله هو ترك التقية والمجاهرة بشعائرهم ومراسيمهم بما أثار أعداءهم عليهم.