منهم مما كان يبتعد عنه سلفهم الصالح؟
جاءت هذه الجملة في الكتاب الأول المؤرخ بأواخر صفر سنة 410 ه فهي من سني عهد البويهيين الذين استولوا على إيران وبغداد سنة 334 ه فمنحهم الخليفة المستكفي بالله العباسي الولاية على ما بأيديهم من إيران والعراق، وبقي ملكهم على العرق حتى سنة 447 ه حين استولى عليه السلاجقة.
ولما استولت الدولة البويهية على العراق وقبض ملوكها بأزمة الأمور وهم شيعة إماميون اثنا عشريون، قوى أمر الشيعة وتحرروا في شعائرهم الدينية ومراسيمهم المذهبية وكان يقع من جراء ذلك فتن كثيرة بينهم وبين سائر أهالي بغداد من متعصبة أهل السنة حتى انجر إلى سفك الدماء وإزهاق النفوس ونهب الأموال، فتضطر الدولة للتدخل في الأمر لإخماد نائرة الفتنة. وإذ كانت الرئاسة الدينية للشيعة في ذلك العهد منتهية إلى الشيخ المفيد فقد كانت تصيبه لفحات من نيران تلك الفتن، حتى أنها أحيانا كانت تسبب إبعاد الشيخ الجليل عن بغداد ريثما تخمد نار الفتنة فيها فيعاد إليها مكرما.
وقد وقع هذا مرتين.
الأولى. سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، حيث ذكر المؤرخ الشهير عز الدين ابن الأثير في " الكامل " في حوادث تلك السنة، وفيها اشتدت الفتنة ببغداد وانتشر العيارون والمفسدون. فبعث بهاء الدولة أبا علي ابن الأستاذ هرمز عميد جيوشه إلى العراق يدبر أمره.
فوصل إلى بغداد فزينت له، وقمع المفسدين، ومنع أهل السنة والشيعة عن إظهار مذاهبهم. ونفى بعد ذلك ابن المعلم فقيه الإمامية إلى الخارج لتستقيم الأور، فاستقام البلد (1) الثانية: سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، فقد قال في حوادثها: وفيها وقعت الفتنة ببغداد في رجب. وكان أولها: أن بعض الهاشميين من أهل باب البصرة أتى ابن المعلم فقيه الشيعة في مسجده بالكرخ (2) فآذاه ونال منه. فثار به أصحاب ابن المعلم واستنفر بعضهم بعضا، وقصدوا أبا حامد الأسفراييني إلى محلة دار القطن، وعظمت الفتنة.