ومنابت الأعشاب، فيكون ارتحالهم على خبره، واستنامتهم إلى نظره. ومنه الحديث: الرائد لا يكذب أهله " فكأنه عليه الصلاة والسلام جعل الحمى مقدمة للموت وطليعة للحتف.
(والاستعارة الأخرى) قوله عليه الصلاة والسلام: وهي سجن الله في الأرض يحبس بها عبده إذا شاء ويرسله إذا شاء. فكأنه عليه الصلاة والسلام شبهها بالسجن من حيث منعت صاحبها من التصرف والاضطراب وغفلته عن قضاء الآراب (1)، فكان أسيرها حتى تطلقه ورقيقها حيت تعتقه، ومثل ذلك الحديث الآخر وهو قوله عليه الصلاة والسلام: " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " لأنه عليه الصلاة والسلام شبه الدنيا بالسجن للمؤمن من حيث قصر فيها خطوه عن اللذات، وكبح لجامه عن الشهوات، وحصر نفسه عن التسرع إلى ما تدعو إليه الدواعي المخزية، والأهواء المردية.
وكان زمام نفسه وخطامها، وهاديها وإمامها، خائفا خوف الجاني المرعوب، والطريد المطلوب، في عصبة عملوا للمعاد، وفطنوا للزاد، تحسبهم من طول سجودهم أمواتا، ومن طول قيامهم نباتا.
ومن أحسن ما سمعته في هذا المعنى أن بعض الزهاد المنقطعين طلب القوت من بعض الراغبين المفتونين، فقيل له في ذلك. فقال: