قوله لا ضرر أي لا يضر الرجل أخاه وهو ضد النفع وقوله لا ضرار أي لا يضار كل منهما صاحبه، وفى (الدر المنثور) للسيوطي: لا ضرر أي لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئا من حقه، ولا ضرار أي لا يجازيه على اضراره بادخال الضرر عليه، وفى (تاج العروس) مثل هذا بعينه، وكذا (الطريحي في المجمع) انتهى موضع الحاجة من كلامه هذا ولكن الانصاف ان ما افاده هذا الشيخ الجليل العلامة المدقق غير كاف في اثبات مرامه، لأن إرادة النهى من لفظة (لا) فيما نقله من التراكيب المشابهة لحديث الضرر غير معلوم، بل الظاهر - كما يظهر بالتأمل - ان (لا) في جميعها حتى في قوله تعالى: لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، وقوله تعالى: (لا مساس) مستعملة في معنى النفي، فليس معنى قوله لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا في الحج، بل مفادها نفى وجود هذه الأمور عن ناحية الحج وإن كان لازمه النهى عنها ولكن بينه وبين ما افاده من استعمال (لا) في النهى فرق ظاهر ستطلع على آثاره عند بيان المعنى المختار، والشاهد عليه ان المتبادر من أمثال هذه التراكيب عند العرف الساذج ليس الا النفي فهل يحتمل أحد أن قوله تعالى: لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، معناه المطابقي لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا في الحج؟ ولعل منشأ الشبهة هو ما ذكرنا من أن النفي في كثير من هذه التراكيب كناية عن النهى فاشتبه المعنى الكنائي بالمعنى المطابقي، وسيظهر لك ان بينهما فرقا كثيرا من حيث النتيجة.
ثم لا يخفى عليك ما في هذا التعبير الكنائي من لطف البيان وإفادة المراد بوجه آكد، وان هذا الا نظير قول الرجل لخادمه: ليس في بيتي الكذب والخيانة ليعرفه بأبلغ البيان ان هذه الأمور مما لا ينبغي له ارتكابه في بيته ابدا ومن ارتكبها كان خارجا عن أهل البيت ويظهر ذلك بالرجوع إلى الارتكاز الذي نعهده من مثل هذه التراكيب في العربية بل وفى غيرها من الألسنة، فانا لا نشك بعد التأمل في موارد استعمالها ان كلمة (لا) ومعادلها من سائر اللغات في هذه الموارد استعملت في النفي الذي هو معناها الأصلي إذا دخلت على الاسم.
ومن أقوى الشواهد على ذلك أنه يصح تبديلها بغيرها من حروف النفي، فيقال