وكان لا يبالي بما يفعل أو يقول أو يسمع، ثم هداه الله وأراد أن يتوب عن جميع المعاصي التي ارتكبها، فهل يحتاج إلى تذكرها تفصيلا ثم يندم على فعله وصدوره منه ويعزم على ترك كل واحد واحد تفصيلا، أو يكفي الندامة على الجميع بنحو الاجمال والعزم على ترك الجميع كذلك؟
لا شبهة في صدق التوبة بالنسبة إلى جميع المعاصي لو ندم عن جميع ما فعل وارتكب وعزم على ترك جميع المحرمات، سواء أحضر صورها التفصيلية في ذهنه أم لا. وذلك من جهة أن التنفر من فعل شئ والعزم على تركه وأن لا يوجده يتحقق بعدم إرادة فعله، فلا مانع من أن يتعلق إرادته وقصده بعدم إرادة إيجاد ما هو من مصاديق الحرام، أو مما لا يرضى الله بفعله وإيجاده.
نعم إيجاد مصاديق هذا العنوان العام - أي مالا يرضى الله بفعله مثلا - لا يمكن إلا بالإرادة التفصيلية لنفس المصاديق، وأما الترك حيث أن تحققه بعدم وجود علته - أي عدم إرادة الوجود وعدم إرادة الايجاد - يكفي فيه قصد ترك جميع مصاديق ذلك العنوان العام، فتحقق التوبة بقصد ترك ذلك العنوان الاجمالي.
وفرق واضح بين إيجاد مصاديق العام وبين تركها، ففي طرف الايجاد لا يمكن إلا بإرادات مفصلة لجميع مصاديق ذلك العنوان العام، وأما في طرف الترك يكفي قصد ترك الجميع، بأن يتعلق القصد والإرادة الواحدة بترك ذلك العنوان الاجمالي العام.
والسر في ذلك: أنه في طرف الايجاد لكل مصداق يحتاج إلى وجود إرادة متعلقة به، لأنها من مبادئ وجوده، فبدونه لو تحقق يلزم أن يكون وجود المعلول بدون وجود علته، وهذا محال. وأما في طرف الترك يكفي عدم إرادة ذلك المصداق، وهذا المعنى يحصل بإرادة ترك ذلك العنوان الاجمالي، ولا يحتاج إلى إرادة عدم كل واحد تفصيلا.