الجسد. وهذا الشمول في العبادة يعبر عن اتجاه عام في التربية الاسلامية يستهدف ان يربط الانسان في كل أعماله ونشاطاته بالله تعالى، ويحول كل ما يقوم به من جهد صالح إلى عبادة مهما كان حقله ونوعه، ومن أجل ايجاد الأساس الثابت لهذا الاتجاه وزعت العبادات الثابتة على الحقول المختلفة للنشاط الانساني، تمهيدا إلى تمرين الانسان على أن يسبغ روح العبادة على كل نشاطاته الصالحة، وروح المسجد على مكان عمله في المزرع أو المصنع أو المتجر أو المكتب، ما دام يعمل عملا صالحا من اجل الله سبحانه وتعالى.
وفي ذلك تختلف الشريعة الاسلامية عن اتجاهين دينيين آخرين، وهما أولا الاتجاه إلى الفصل بين العبادة والحياة، وثانيا: الاتجاه إلى حصر الحياة في إطار ضيق من العبادة كما يفعل المترهبون والمتصوفون.
اما الاتجاه الأول الذي يفصل بين العبادة والحياة فيدع العبادة للأماكن الخاصة المقرر لها، ويطالب الانسان بان يتواجد في تلك الأماكن ليؤدي لله حقه ويتعبد بين يديه، حتى إذا خرج منها إلى سائر حقول الحياة ودع العبادة وانصرف إلى شؤون دنياه إلى حين الرجوع ثانية إلى تلك الأماكن الشريفة. وهذه الثنائية بين العبادة ونشاطات الحياة المختلفة تشل العبادة وتعطل دورها التربوي البناء في تطوير دوافع الانسان وجعلها موضوعية، وتمكينه من أن يتجاوز ذاته ومصالحه الضيقة في مختلف مجالات العمل.
والله سبحانه وتعالى لم يركز على أن يعبد من اجل تكريس ذاته وهو الغني عن عباده، لكي يكتفي منهم بعبادة من هذا القبيل، ولم ينصب نفسه هدفا وغاية للمسيرة الانسانية لكي يطأطئ الانسان رأسه بين يديه في مجال عبادته وكفى، وإنما أراد بهذه العبادة ان يبني الانسان الصالح القادر على أن يتجاوز ذاته ويساهم في المسيرة بدور أكبر. ولا يتم التحقيق الأمثل لذلك إلا إذا امتدت روح العبادة تدريجا إلى نشاطات الحياة الأخرى، لان