وعلى الرغم من أن الضمانات الموضوعية لها دور كبير في السيطرة على سلوك الافراد وضبطه، فإنها لا تكفي في أحايين كثيرة بمفردها، ما لم يكن إلى جانبها ضمان ذاتي ينبثق عن الشعور الداخلي للانسان بالمسؤولية، لان الرقابة الموضوعية للفرد مهما كانت دقيقة وشاملة لا يمكن عادة ان تضمن الإحاطة بكل شئ واستيعاب كل واقعة.
والشعور الداخلي بالمسؤولية يحتاج لكي يكون واقعا عمليا حيا في حياة الانسان إلى ايمانه برقابة لا يعزب عن علمها مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، والى مران عملي ينمو من خلاله هذا الشعور ويترسخ بموجبه الاحساس بتلك الرقابة الشاملة.
والرقابة التي لا يعزب عن علمها مثقال ذرة تتواجد في حياة الانسان نتيجة لارتباطه بالمطلق الحق العليم القدير الذي أحاطه علمه بكل شئ، فان هذا الارتباط بنفسه يوفر للانسان هذه الرقابة، ويهئ بذلك امكانية نشوء الشعور الداخلي بالمسؤولية.
والمران العملي الذي ينمو من خلاله هذا الشعور الداخلي بالمسؤولية يتحقق عن طريق الممارسات العبادية، لان العبادة واجب غيبي، ونقصد بكونها واجبا غيبيا ان ضبطها بالمراقبة من خارج امر مستحيل، فلا يمكن ان تنجح أي اجراءات خارجية لغرض الاتيان بها، لأنها متقومة بالقصد النفسي والربط الروحي للعمل بالله، وهذا امر لا يدخل في حساب الرقابة الموضوعية من خارج، ولا يمكن لأي اجراء قانوني ان يكفل تحقيقه. وانما الرقابة الوحيدة الممكنة في هذا المجال هي الرقابة الناتجة عن الارتباط بالمطلق بالغيب، الذي لا يعزب عن علمه شئ. والضمان الوحيد الممكن على هذا الصعيد هو الشعور الداخلي بالمسؤولية. وهذا يعني ان الانسان الذي يمارس العبادة يباشر واجبا يختلف عن اي واجب أو مشروع اجتماعي آخر،