عبادته كل هذه الأشياء معالم حسية ربطت بها العبادة، فلا صلاة إلا إلى القبلة، ولا طواف إلا بالبيت الحرام، وهكذا، وذلك من اجل اشباع الجانب الحسي في الانسان العابد واعطائه حقه ونصيبه من العبادة.
وهذا هو الاتجاه الوسط في تنظيم العبادة وصياغتها وفقا لفطرة الانسان وتركيبه العقلي الحسي الخاص.
ويقابله اتجاهان آخران، أحدهما: يفرط في عقلنة الانسان - ان صح التعبير - فيتعامل معه كفكر مجرد، ويشجب كل التجسيدات الحسية في مجال العبادة، فما دام المطلق الحق سبحانه لا يحده مكان ولا زمان ولا يمثله نصب ولا تمثال فيجب ان تكون عبادته قائمة على هذا الأساس، وبالطريقة التي يمكن للفكر النسبي للانسان ان يناجي بها الحقيقة المطلقة.
وهذا الاتجاه لا تقره الشريعة الاسلامية، فإنها على الرغم من اهتمامها بالجوانب الفكرية حتى جاء في الحديث (أن تفكير ساعة أفضل من عبادة سنة)، تؤمن بأن التفكير الخاشع المتعبد مهما كان عميقا لا يملأ نفس الانسان، ولا يعبئ كل فراغه، ولا يشده الحقيقة المطلقة بكل وجوده، لأن الانسان ليس فكرا بحتا.
ومن هذا المنطلق الواقعي الموضوعي صممت العبادات في الاسلام علي أساس عقلي وحسي معا، فالمصلي في صلاته يمارس بنيته تعبدا فكريا وينزه ربه عن اي حسد ومقايسة ومشابهة، وذلك حين يفتتح صلاته قائلا (الله أكبر)، ولكنه في نفس الوقت يتخذ من الكعبة الشريعة شعارا ربانيا يتوجه إليه بأحاسيسه وحركاته، لكي يعيش العبادة فكرا وحسا، منطقا وعاطفة، تجريدا ووجدانا.
والاتجاه الآخر: يفرط في الجانب الحسي، ويحول الشعار إلى مدلول، والإشارة إلى واقع، فيجعل العبادة لهذا الرمز بدلا عن مدلوله، والاتجاه