فحين يقترض ويوفي الدين، أو حين يعقد صفقة وينفذ شروطها، وحين يستعير مالا من غيره ثم يعيده إليه يباشر بذلك واجبا يدخل في نطاق الرقابة الاجتماعية رصده، وبهذا قد يدخل بشكل آخر التحسب لرد الفعل الاجتماعي على التخلف عن أدائه في اتخاذ الانسان قرارا بالقيام به. واما الواجب العبادي - الغيبي - الذي لا يعلم مدى مدلوله النفسي إلا الله سبحانه وتعالى فهو نتيجة للشعور الداخلي بالمسؤولية، ومن خلال الممارسات العبادية ينمو هذا الشعور الداخل ويعتاد الانسان على التصرف بموجبه. وبهذا الشعور يوجد المواطن الصالح، إذ لا يكفي في المواطنة الصالحة ان لا يتخلف الانسان عن أداء حقوق الآخرين المشروعة خوفا من رد الفعل الاجتماعي على هذا التخلف، وانما تتحقق المواطنة الصالحة بان لا يتخلف الانسان عن ذلك بدافع من الشعور الداخلي بالمسؤولية، وذلك لان الخوف من رد الفعل الاجتماعي على التخلف لو كان وحده هو الأساس لالتزامات المواطنة الصالحة في المجتمع الصالح لأمكن التهرب من تلك الواجبات في حالات كثيرة، حينما يكون بامكان الفرد ان يخفى تخلفه، أو يفسره تفسيرا كاذبا، أو يحمي نفسه من رد الفعل الاجتماعي بشكل وآخر، فلا يوجد في هذه الحالات ضمان سوى الشعور الداخلي بالمسؤولية.
ونلاحظ ان المرجح غالبا في العبادات المستحبة أداؤها سرا وبطريقة غير علنية، وهناك عبادات سرية بطبيعتها كالصيام فإنه كف نفسي لا يمكن ضبطه من خارج، وتوجد عبادات اختير لها جو من السرية والابتعاد عن المسرح العام كنافلة الليل (صلاة الليل) التي يطلب أداؤها بعد نصف الليل، وكل ذلك من أجل تعميق الجانب الغيبي من العبادة وربطها أكثر فأكثر بالشعور الداخلي بالمسؤولية. وهكذا يترسخ هذا الشعور من خلال الممارسات العبادية، ويألف الانسان العمل على أساسه، ويشكل ضمانا قويا لالتزام الفرد الصالح بما عليه من حقوق وواجبات.