يتب لم يجز العفو عنه الحد بحال انتهى (1).
وقال السيد أبو المكارم ابن زهرة في الغنية: وإذا تاب أحد الزانيين قبل قيام البينة عليه وظهرت توبته وصلاحه سقط الحد منه.. وإن تاب بعد ثبوت الزنا عليه فللإمام العفو منه (2).
وقال أبو الصلاح الحلبي: فإن تاب الزاني أو الزانية قبل قيام البينة عليه وظهرت توبته وحمدت طريقته سقط عنه الحد، وإن تاب بعد قيام البينة فالإمام العادل مخير بين العفو والإقامة وليس ذلك لغيره إلا بإذنه، وتوبة المرء سرا أفضل من اقراره ليحد (3).
وهم قدس سرهم لم يتعرضوا لدليل على ما ذهبوا إليه واختاروه، نعم قد استدل لهم بأمور أولها أصالة البراءة.
ثانيها إن الحد لم يثبت في الذمة بمجرد قيام البينة حتى يستصحب ذلك بعد التوبة المسبوقة بالبينة (4).
ثالثها ظاهر خبر أبي بصير المتقدم آنفا بناء على أن المراد من قوله: إن تاب. هو التوبة عند الهرب أو بعده، وأن قوله: وإن وقع، بمعنى الوقوع قبل التوبة.
رابعها أولوية سقوط عقاب الدنيا من عقاب الآخرة بالتوبة.
ويرد على الأول أنه لا مجال للأصل مع وجود الدليل على وجوب الحد إذا تاب بعد إقامة البينة وقد رأيت دلالة الأخبار على ذلك فالأصل مقطوعة بهذه الأخبار المعمول بها، ولو شك فيه بعد ذلك فالاستصحاب يقتضي بقاءه. هذا مضافا إلى أنه لو جرت أصالة البراءة لكان اللازم هو الحكم بسقوط الحد، فمن أين يستفاد التخيير؟