العمليات، في كل الميادين الإنسانية. فليست الماركسية فكرة نظرية محدودة، أو تحليلا اجتماعيا أو اقتصاديا فحسب، وإنما هي تعبير تحليلي شامل عن كل العمليات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كما تجري منذ آلاف السنين في مجراها التاريخي الطويل، لتكون منها في كل لحظة تاريخية حاسمة، حالة معينة، تحديد بنفسها وبطريقة جدلية ما يعقبها من حالات متلاحقة على مدار الزمن، تتابع في لحظات تاريخية فاصلة.
ومن الطبيعي أن تستأثر مثل هذه النظرية بتقدير الناس، وتوحي إليهم بالإعجاب أكثر من أي نظرية أخرى ما دامت قد زعمت لهم أنها وضعت في أيديهم كل اسرار الإنسانية، وألغاز التاريخ، وما دامت قد تفوقت على كل النظريات العلمية، عن الاجتماع والاقتصاد، في نقطة ذات وزن جماهيري كبير، وهي: أنها استطاعت أن تمزج آمال الناس بالتحليل العلمي، وأن تقدم إليهم أمانيهم التقليدية في إطار تحليلي، قائم على أسس مادية ومنطقية، بالمقدار الذي أتيح لماركس أن يصل إليه، بينما لم تكن النظريات العلمية الأخرى في الاجتماع والاقتصاد، تظفر - على أفضل تقدير - إلا بعناية حفنة من العلماء والأخصائيين.
والمادية التاريخية، بوصفها فرضية عامة، تقرر - كما عرفنا سابقا -: أن جميع الأوضاع والظواهر الاجتماعية، نابعة من الوضع الاقتصادي، وهو بدوره نتيجة لوضع القوى المنتجة. فالوضع الاقتصادي هو همزة الوصل، بين قوى الإنتاج الرئيسية، وجميع الظواهر والأوضاع الاجتماعية، كما قال بليخانوف:
((إن الوضع الاقتصادي لشعب ما، هو الذي يحدد وضعه الاجتماعي، والوضع الاجتماعي لهذا الشعب، يحدد بدوره وضعه السياسي والديني، وهكذا دواليك. ولكنكم ستتساءلون عما إذا لم يكن للوضع الاقتصادي من سبب أيضا؟.. لا ريب ان لهذا الوضع سببه الخاص به، ككل شيء في هذه الدنيا، وهذا السبب... هو الصراع الذي يخوضه الانسان مع الطبيعة)) (1).