يعبرون بذلك عن الحتمية التاريخية.
ونحن حين نقرر هذا، نعلم أن الماركسية - نفسها - لم تستطع أحيانا، أن تفهم - بوضوح - متطلبات مفهومها العلمي عن التاريخ ومستلزماته، حتى لقد كتب ستالين يقول:
((إن المجتمع غير عاجز أمام القوانين، وأن في وسعه عن طريق معرف القوانين الاقتصادية، وبالاسناد إليها، أن يحد من دائرة فعلها، وأن يستخدمها في مصلحة المجتمع، وأن يروضها، مثلما يجري حيال قوى الطبيعة وقوانينها)) (1) وكتب بولتزير - نظير هذا - قائلا:
((إن المادية الجدلية، في تأكيدها للطابع الموضعي لقوانين المجتمع، تؤكد - في نفس الوقت - الدور الموضوعي الذي تلعبه الأفكار، يعني النشاطات العلمية الواعية، مما يتيح للناس أن يؤخروا أو يقدموا، وأن يشجعوا أو يعرقلوا، تأثير قوانين المجتمع)) (2).
ومن الواضح، أن هذا الاعتراف الماركسي: بسيطرة الإنسان عن طريق أفكاره ونشاطاته الواعية، على تأثير قوانين المجتمع، وعلى تقديمه وتأخيره لا يتفق مع الفكرة العلمية عن التاريخ لأن التاريخ إذا كان مسيرا وفق قوانين طبيعية عامة، فوعي الانسان وعلمه بقوانين التاريخ، إنما يعبر عن جزء من الحقل الذي تحكمه تلك القوانين. فكل ما يقوم به هذا الوعي والنشاط الانساني من أدوار، فهو تعبير حتمي عن تلك القوانين، وعن تأثيرها المحتوم، وليس تقديما لهذا التأثير أو تأخيرا له. فالماركسيون حينما يمعنون - مثلا - في خلق الفتن، لتعميق التناقضات ومضاعفاتها، ينفذون قوانين التاريخ. لأن نشاطهم الواعي جزء من الكل التاريخي، لا أنهم يستعجلون تلك القوانين. وليس موقف الفئات التي تعمل بوعي سياسي، من قوانين التاريخ، كموقف العالم الطبيعي من قوانين الطبيعة، التي يجرب عليها في مختبر،