البلاد في درجة عالية من التصنيع، وبمقدار ارتقائها في هذا المضمار، كان بعدها عن الثورة، ونجاتها من الانفجار الثوري الشيوعي المحتوم، في مفاهيم المادية التاريخية.
وأما روسيا فقد كانت الحركة التصنيعية فيها منخفضة جدا، وكان الرأسمال المحلي عاجزا تماما عن حل مشاكل التصنيع السريع، في ظل ظروفها السياسية والاجتماعية، ولم يكن هناك موضع للقياس: بين الرأسمالية الصناعية في تلك البلاد المتخلفة، وبين قوى الصناعة وضخامة الرأسمال الصناعي في الغرب الأوروبي، ومع ذلك أخصب الاتجاه الثوري فيها وتفجر، وجاءت الثورة الصناعية، كنتيجة للثورة السياسية، فكان الجهاز الانقلابي في الدولة، هو الأداة الفعالة لتصنيع البلاد، وتطوير قواها المنتجة، ولم يكن التصنيع وتطور قوى البلاد المنتجة، هو السبب في خلق ذلك الجهاز وإنشاء تلك الأداة.
وإذا كان من الضروري، أن نربط بين الثورة من ناحية، وحركة التصنيع والقوى المنتجة من ناحية أخرى، فالشئ المعقول أن نعكس العلاقة الماركسية المفترضة بين الثورة والتصنيع ((فنعتبر أن انخفاض المستوى الصناعي والإنتاج، من العوامل المهمة، التي أدت إلى دق أجراس الثورة في بلد كروسيا، على العكس تماما من افتراض النظرية الماركسية، القائل: إن الثورة الاشتراكية، بموجب القوانين المادية للتاريخ، لا يتكون إلا نتاجا لنمو الرأسمالية الصناعية وبلوغها الذروة. فروسيا مثلا - لم يدفعها نمو قوى الإنتاج إلى الثورة، بمقدار ما دفعها انخفاض تلك القوى وتخلفها الخطر، عن ركب الدول الصناعية، التي قفزت بخطوات العمالقة في مضمار الصناعة والإنتاج، فكان لابد لكي تحتفظ روسيا بوجودها الحقيقي في الأسرة الدولية، أن تنشئ الجهاز السياسي والاجتماعي، الذي يحل مشاكل التصنيع حلا سريعا، ويدفع خلق الجهاز القادر على حل هذه المشاكل تقع روسيا حتما فريسة الاحتكارات، التي تقيمها الدول السباقة، وينتهي وجودها كدولة حرة على مسرح التاريخ.