سلوكا معاصرا لعهد التشريع حقا، ونستكشف سماح الإسلام به من سكوت التشريع عنه. فان الممارسة في هذه الحالة قد يقع في خطأ التجريد، عندما يجرد ذلك السلوك المعاصر لعهد التشريع خصائصه، ويعزله عن العوامل التي قد تكون دخيلة في السماح به، ويعمم القول: بأن هذا السلوك جائز وصحيح إسلاميا في كل حال. مع أن من الضروري لكي يكن الاستدلال بدليل التقرير موضوعيا: أن ندخل في حسابنا كل حالة من المحتمل تأثيرها في موقف الإسلام من ذلك السلوك. فحين تتغير بعض تلك الحالات والظروف يصبح الاستدلال بدليل التقرير عقيما، فإن قيل كل مثلا: إن شرب الفقاع في الإسلام جائز، بدليل أن فلانا - حين مرض على عهد النبي صلى الله عليه وآله - شرب الفقاع، ولم ينه النبي (ص) عن ذلك.. كان لك أن تقول: ان دليل التقرير هذا وحده يكفي دليلا على سماح الإسلام بشرب الفقاع لكل فرد، ولو كان سليما، لأن من الممكن أن تكون بعض الأمراض مجوزة لشربه بصورة استثنائية. فمن الخطأ إذن أن نعزل السلوك المعاصر لعهد التشريع عن ظروفه وخصائصه، ونعمم حكم ذلك السلوك بدون مبرر لكل سلوك مشابه، وإن اختلف في الخصائص التي قد يختلف الحكم بسببها. بل يجب أن نأخذ بعين الاعتبار جميع الحالات الفردية والأوضاع الاجتماعية، التي تكتنف السلوك المعاصر لعهد التشريع.
د - اتخاذ موقف معين بصورة مسبقة تجاه النص:
ونقصد باتخاذ موقف معين النص: الاتجاه النفسي للباحث، فإن للاتجاه أثره الكبير على عملية فهم النصوص. ولكي تتضح فكرة الموقف، نفترض شخصين يمارسان دراسة النصوص، يتجه أحدهما نفسيا إلى اكتشاف الجانب الاجتماعي وما يتصل بالدولة من أحكام الإسلام ومفاهيمه، بينما ينجذب الآخر لاتجاه نفسي نحو الأحكام التي تتصل بالسلوك الخاص للأفراد. فإن هذين الشخصين بالرغم من أنهما يباشران نصوصا واحدة، سوف يختلفان في المكاسب التي يخرجان بها من دراستهما لتلك النصوص، فيحصل كل منهما على مكاسب أكبر فيما يتصل