وأما النوع الثاني من العمل فلا قيمة له، لأنه مظهر من مظاهر القوة وليس نشاطا اقتصاديا من نشاطات الانتفاع والاستثمار للطبيعة وثروتها. والقوة لا تتكون مصدرا للحقوق الخاصة ولا مبررا كافيا لها. وعلى هذا الأساس ألغت النظرية العامة العمل لحيازة الأرض والاستيلاء عليها ولم تقم على أساسه أي حق من الحقوق الخاصة، لأنه في الحقيقة، من أعمال القوة، لا من أعمال الانتفاع والاستثمار.
الحيازة ذات طابع مزدوج:
ونحن حين نقرر هذا، قد نواجه السؤال عن الفرق بين حيازة الأرض، وحيازة الحجر بحمله من الصحراء، والخشب باحتطابه من الغابة، والماء باغترافه من النهر، فإذا كانت الحيازة مظهر قوة وليست ذات صفة اقتصادية كأعمال الانتفاع والاستثمار فكيف جاز للإسلام أن يفرق بين حيازة الأرض وحيازة الخشب، ويمنح الأخيرة حقوقا خاصة، بينما يلغي الأولى ويجردها من كل الحقوق؟.
وجوابا على هذا السؤال: ان التمييز بين أعمل الانتفاع والاستثمار وأعمال الاحتكار والاستئثار، في النظرية الإسلامية، لا يقوم على أساس شكل العمل. بل قد يتخذ الشكل الواحد للعمل طابع الانتفاع والاستثمار تارة وطابع الاحتكار والاستئثار، تارة أخرى، تبعا لطبيعة المجال الذي يشتغل فيه العامل، ونوع الثورة التي يمارسها، فالحيازة - مثلا - وإن كانت من الناحية الشكلية نوعا واحدا من العمل، ولكنها تختلف في حساب النظرية العامة باختلاف نوع الثروة التي يسيطر عليها الفرد، لأن حيازة الخشب بالاحتطاب، والحجر بنقله من الصحراء - مثلا - عمل من أعمال الانتفاع والاستثمار. وأما حيازة الأرض والاستيلاء على منجم أو على عين ماء فليس من تلك الأعمال، بل هو مظهر من مظاهر القوة والتحكم في الآخرين.
ولكي نبرهن على ذلك، يمكننا أن نفترض انسانا، يعيش بمفردة في مساحة كبيرة من الأرض، غنية بالعيون والمناجم والثروات الطبيعية، بعيدا عن المنافسة والمزاحمة، وندرس سلوكه، وما يمارسه من ألوان الحيازة.