ولنسلم أن المعلومات التي اعتمدت عليها الماركسية، عن تلك المجتمعات المعاصرة، هي وحدها المعلومات الصحيحة فمن حقنا بعد ذلك أن نتساءل عن هذه المجتمعات: هل هي مجتمعات بدائية، يمكن الاعتماد عليها في تصوير البدائية الاجتماعية؟ وبالنسبة إلى هذا السؤال الجديد، لا تملك الماركسية دليلا واحدا على بدائية هذه المجتمعات المعاصرة، بالمعنى العلمي للفظ. بل إن قوانين التطور الحتمي للتاريخ، التي تؤمن بها الماركسية، تقضي بأن تلك المجتمعات قد شملتها عملية التطور الاجتماعي حتما فالماركسية حين تزعم، أن الحالة الحاضرة لتلك المجتمعات، هي حالتها البدائية، تبطل قوانين التطور، وتقرر الجمود عبر آلاف السنين.
كيف نفسر الشيوعية البدائية؟
ولنترك هذا لنرى الماركسية كيف تفسر هذه المرحلة الشيوعية المزعومة، وفقا لقوانين المادية التاريخية؟
إن الماركسية تفسر علاقات الملكية الشيوعية، في المجتمع البدائي للبشرية، بالدرجة البدائية، التي كانت عليها قوى الإنتاج حينئذ، وظروف الإنتاج السائدة. فإن الناس كانوا مضطرين إلى ممارسة الإنتاج، بشكل اجتماعي مشترك، والتكتل في وجه الطبيعة، نظرا إلى ما كان عليه الإنسان من ضعف وقلة حيلة. والاشتراك في الإنتاج، يحتم قيام علاقات الملكية الاشتراكية، ولا يسمح بفكرة الملكية الخاصة. فالملكية إنما كانت اشتراكية لأن الإنتاج اشتراكي. ويقوم التوزيع بين أفراد المجتمع، على أساس المساواة، بسبب من ظروف الإنتاج أيضا لأن المستوى الشديد الانخفاض للقوى المنتجة، فرض تقسم الغذاء الضئيل والسلع البسيطة المنتجة إلى أجزاء متساوية، وكان من المستحيل قيام أي طريقة أخرى للتقسيم، لأن حصول أحد الأفراد على نصيب يزيد على نصيب الآخرين، يعين أن يموت شخص آخر جوعا (1).