وهكذا نجد - بوضوح - أن الفكر - بأي درجة كان - يجب أن يسبق عملية الإنتاج، وأن اللغة ليست نابعة من عملية الإنتاج، كما تنبع كل العلاقات والظواهر الاجتماعية، في زعم الماركسية.. وإنما تنبع من الحاجة إلى تبادل الأفكار، بوصفها المظهر المادي للفكر. فلم تنشأ اللغة - إن - من القاعدة الرئيسية المزعومة، من عملية الإنتاج، بالرغم من أنها أهم ظاهرة اجتماعية على الاطلاق.. وإنما كانت هي الشرط الضروري تاريخيا، في وجود هذه القاعدة المزعومة.
وأكبر دليل يمكننا أن نقدمه على ذلك هو استقلال اللغة في تطورها عن الإنتاج وقواه. فلو كانت اللغة وليدة الإنتاج، وليدة القاعدة المزعومة، لتطورت وتغيرت، تبعا لتطور أشكال الإنتاج وتغيرها، كما تتغير تبعا لذلك جميع الظواهر والعلاقات الاجتماعية. في رأي الماركسية، ولا يوجد ماركسي واحد - وحتى ستالين - يجرأ على القول: بأن اللغة الروسية - مثلا - تغيرت بعد الثورة الاشتراكية، وتبدلت إلى لغة جديدة، أو أن الآلة البخارية التي غيرت القاعدة الأساسية للمجتمع، وأحدثت ثورة كبرى في أسلوب الإنتاج قد جاءت بلغة جديدة للانكليز، غير اللغة التي كانوا يتكلمون بها قبل ذلك، فالتاريخ يؤكد - إذن - أن اللغة مستقلة عن الإنتاج، في استمراريتها وتطورها. وليس ذلك إلا لأنها لم تنبع من هذا الشكل أو ذاك، من أشكال الإنتاج، وإنما نبعت عن فكر وحاجة هما أعمق وأسبق من كل ممارسة للإنتاج الاجتماعي مهما كان شكلها.
2 - الفكر والماركسية ويمكن أن نعتبر أخطر وأهم النقاط الجوهرية في المفهوم المادي للتاريخ عند الماركسية، هذا العلاقة، التي تؤكد عليها بين الحياة الفكرية للانسان، بشتى ألوانها ومناحيها، وبين الوضع الاقتصادي، وبالتالي وضع القوى المنتجة الذي يحدد كل المضمون التاريخي لكيان الانسان فالفكر مهما اتخذ من أشكال عليا، ومهما ابتعد في مجاله الاجتماعي عن القوى الأساسية، من اشكال عليا، ومهما ابتعد في مجال الاجتماعي عن القوة الأساسية، واتخذ سبيله في منعطفات تاريخية