6 - لماذا لا تشترك وسائل الإنتاج في الربح:
بقي علينا أن نواجه سؤالا أخيرا بشأن أحكام المشاركة في الأرباح من البناء العلوي المتقدم. ولنمهد لهذا السؤال باستخلاص المعلومات التي اكتشفناها حتى الآن. فقد عرفنا أن الكسب لا يسمح به في نظرية توزيع ما بعد الإنتاج في الإسلام إلا على أساس العمل المنفق، والعمل المنفق نوعان: عمل مباشر يوجد ويتفق في وقت واحد كعمل الأجير وعمل منفصل مختزن يوجد بصورة مسبقة وينفق خلال انتفاع المستأجر به، كالعمل المختزن في الدار أو أداة الإنتاج الذي ينفق ويستهلك خلال سكنى المستأجر فيها والانتفاع بها. وعرفنا أيضا أن ملكية رأس المال النقدي ليست مصدرا للكسب، ولأجل ذلك كان القرض بالفائدة محرما لأن الفائدة لا تقوم على أساس عمل منفق واستطعنا أن نستوعب جميع ألوان الأجور الثابتة، ما كان منها جائزا كأجرة الدار، وما كان منها محرما كالفائدة الربوية، ونطبق القاعدة بنجاح عليها بمدلولها الإيجابي والسلبي، ولكنا لم نقل حتى الآن شيئا عن تفسير غير الأجور الثابتة من ألوان الكسب التي عرضها البناء العلوي المتقدم، وأعني بذلك المشاركة في الربح، وربط المصير بنتائج العملية من فوز أو خسران، فالعمل في عقد المضاربة ليس له أجر ثابت يتقاضاه على كل حال من صاحب المال، وإنما هو شريك في الأرباح، فكسبه يتحدد ويتمدد وفقا لنتائج العملية، وكذلك العامل في عقد المزارعة أو في عقد المساقاة، فقد سمح له بالكسب على أساس المشاركة في الأرباح أو الناتج، كما سبق في فقرات (3 و 6 و 8) ولأجل هذا قلنا في مستهل البحث أن العمل قد سمح له بنوعين من الكسب: أحدهما الأجر والآخر المشاركة في الربح.
كما أن صاحب المال التجاري في عقد المضاربة، وصاحب الأرض في عقد المزارعة، وصاحب الشجر والأغصان في عقد المساقاة، قد سمح لهم أيضا بالكسب على أساس الربح، فلكل منهم نصيبه من الربح تبعا لما يتفق عليه في تلك العقود