النظام المالي كالقانون المدني:
ومن الضروري بهذا الصدد أن نضيف إلى القانون المدني النظام المالي أيضا، بوصفه أحد الأبنية العلوية للمذهب الاقتصادي، التي تعكس ملامحه وتتكيف بمقتضياته. فكما يمكن الاستفادة في عملية الاكتشاف من إشعاعات المذهب المنعكسة على القانون المدني، كذلك يمكن الاستفادة من إشعاعات مذهبية مماثلة في النظام المالي.
وإذا أردنا أن نضرب مثلا لهذا التأثير من المذهب الاقتصادي على التنظيم المالي بوصفه بناء علويا للمذهب، فيمكننا أن نجد هذا المثال في صلة المذهب الرأسمالي بالمالية العامة، كما استعنا سابقا بتحديد صلته بالقانون المدني على فهم العلاقة بين المذهب والقانون، فان من مظاهر الصلة بين الرأسمالية والمالية العامة: تأثر فكرة (الدومين) (1) بالناحية المذهبية. والدومين يعتبر في المالية أحد المصادر الرئيسية لإيرادات الدولة فقد تضاءلت فكرة الدومين، وانكمش نطاق المشروعات التي تملكها الدولة، وكادت أن تختفي من التنظيم المالي، تحت تأثير مبدأ الحرية الاقتصادية، حينما طغى المذهب الرأسمالي وساد التفكير المذهبي للرأسمالية، الذي كان، من مقتضاه عدم تدخل الدولة في النشاط الإنتاجي، حفاظا على الحرية الاقتصادية للأفراد، إلا في الحدود الضئيلة التي يعجز النشاط الفردي عن القيام بها. وكان من الطبيعي لأجل ذلك أن تعتمد الدولة الرأسمالية في ماليتها العامة على الضريبة، ونحوها من مصادر الإيرادات الأخرى. تم استأنف الدومين وجحوده بوصفه مصدرا مهما واتسع نطاقه بعد ظهور الاتجاهات الاشتراكية نحو التأميم، وتزلزل مبدأ الحرية الاقتصادية في التفكير الاقتصادي العام.