وهذا الكتاب التاريخي الرائع، لم يكن قصة يتحدث فيها الإمام عن واقع المتقين على وجه الأرض، أو واقعهم في التاريخ، وإنما كان يستهدف التعبير عن نظرية المتقين في الحياة، والمثل الذي يجب أن يحققه مجتمع المتقين على هذه الأرض، ولذا أمر بتطبيق ما في الكتاب، ورسم سياسته في ضوء ما جاء فيه من وصايا وتعليمات، فالكتاب إذن واضح كل الوضوح، في أن اليسير المادي الذي يحققه نمو الإنتاج واستثمار الطبيعة إلى أقصى حد، هدف يسعى اليه مجتمع المتقين، وتفرضه النظرية التي يتبناها هذا المجتمع ويسير على ضوئها في الحياة (1).
والهدف في نفس الوقت مغلف بالإطار المذهبي، ومحدد بحدود المذهب كما يقرره القرآن الكريم: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} (2).
فالنهي عن الاعتداء في مجال الانتفاع بالطبيعة واستثمارها تعبير بالطريقة القرنية عن ذلك الإطار المذهبي العام.
وسائل الإسلام في تنمية الإنتاج:
والإسلام حين تبنى هذا المبدأ ووضع تنمية الثروة والاستمتاع بالطبيعة هدفا للمجتمع الإسلامي، جند كل إمكاناته المذهبية، لتحقيق هذا الهدف وإيجاد المقومات والوسائل التي يتوقف عليها.
ووسائل تحقيق هذا الهدف على نوعين:
فهناك وسائل مذهبية، من وظيفة المذهب الاجتماعي إيجادها وضمانها وهناك وسائل تطبيقية بحتة، تمارسها الدولة التي تتبنى ذلك المذهب الاجتماعي، يرسم سياسة عملية تواكب الاتجاه المذهب العام.
وقد وفر الإسلام الوسائل التي تدخل في نطاقه بوصفه مذهبا اجتماعيا ومركبا حضاريا شاملا.