وهذا الموقف الخاص في تفسير النص لم ينبع من النص نفسه، وإنما نتج من اعتياد ذهني على صورة خاصة عن النبي، وطريقة تفكير معينة فيه، درج عليها الممارس، واعتاد خلالها أن ينظر اليه دائما، باعتباره مبلغا، وانطمست أمام عينيه شخصيته الأخرى بوصفه حاكما، وانطمست بالتالي ما تعبر به هذا الشخصية عن نفسها في النصوص المختلفة.
ضرورة الذاتية أحيانا:
ويجب أن نشير إلى المجال الوحيد، الذي سمح به للجانب الذاتي، لدى محاولة تكوين الفكرة العامة المحددة عن الاقتصاد الإسلامي، وهو مجال اختيار الصورة التي يراد أخذها عن الاقتصاد في الإسلام، من بين مجموع الصور التي تمثل مختلف الاجتهادات الفقهية المشروعة، فقد مر بنا أن اكتشاف المذهب الاقتصادي يتم خلال عملية اجتهاد في فهم النصوص وتنسيقها، والتوفيق بين مدلولاتها في إطراد واحد، وعرفنا أن الاجتهاد يختلف ويتنوع، تبعا لاختلاف المجتهدين في طريقة فهمهم للنصوص، وعلاجهم للتناقضات التي قد تبدو بين بعضها والبعض الآخر، وفي القواعد والمناهج العامة للتفكير الفقهي التي يتبنونها. كما عرفنا أيضا أن الاجتهاد يتمتع بصفة شرعية وطابع إسلامي ما دام يمارس وظيفته، ويرسم الصورة ويحدد معالمها ضمن إطار الكتاب والسنة، ووفقا للشروط العامة التي لا يجوز اجتيازها.
وينتج عن ذلك كله ازدياد ذخيرتنا بالنسبة إلى الاقتصاد الإسلامي، ووجود صور عديدة له، كلها شرعي وكلها إسلامي. ومن الممكن حينئذ أن نتخير في كل مجال أقوى العناصر التي نجدها في تلك الصورة، وأقدرها على معالجة مشاكل الحياة وتحقيق الأهداف العليا للإسلام. وهذا مجال اختيار ذاتي يملك الباحث فيه حيرته ورأيه، ويتحرر عن وصفه مكتشفا فحسب، وإن كانت هذه الذاتية لا تعدو أن