عنها خلال ممارستها: صورة ديالكتيكية لتطور الإنتاج، تعبر عن حركة تكامل ديالكتيكية للقوى المنتجة، بوصفها تولد دائما الأفكار الجديدة، ثم تعود لتنمو ضمنها وتتكامل.
وهذا الوصف الديالكتيكي، لتطور القوى المنتجة، يقوم على أساس مفهوم خاص للتجربة، يجعل منها الممون الأساسي الوحيد للانسان، بالأفكار والآراء. فتصبح العلاقة بين قوى الطبيعة المنتجة التي يجربها الإنسان، وبين أفكاره وآرائه عن الكون وحقائقه، علاقة علة بمعلول ينشأ عن علته، ثم يتفاعل معها، فيزيدها ثراء واغتناء. ولكننا يجب أن لا ننسى النتائج التي استخلصناها من دراستنا لنظرية المعرفة في (فلسفتنا) فقد برهنت تلك النتائج، على أن التجارب الطبيعية، لا تقدم إلى الإنسان إلا المواد الخام، ولا تتحفه إلا بالتصورات الحسية لمضمون التجربة. وهذه المواد والتصورات تبقى غير ذات معنى، لو لم تصادف في ذهن معين، الشروط الطبيعية والسيكولوجية الخاصة، وهو ذهن الانسان، الذي يملك - دون سائر الحيوانات التي تشترك معه في التصور والاحساس - قدرة عقلية على الاستنتاج والتحليل، ومعارف ضرورية لا تخضع للتجربة، يأخذ الانسان بتطبيقها على المواد الخام التي يستوردها عن طريق التجربة، فينتهي إلى نتائج جديدة. وكلما تكررت عمليات الاستنتاج وتكامل رصيدها، ازدادت خصبا وثراء. فلم تكن قوى الطبيعة المنتجة، هي التي تشق - بمفردها - طريق تكاملها ونموها، أو تولد عوامل تطورها واغتنائها، وإنما تولد الإحساسات والتصورات فحسب. فليس تطورها - إذن - ديالكتيكيا ذاتيا، وليست القوة الإيجابية التي تطورها منبثقة عنها. وهكذا تصبح قوى الإنتاج محكومة لعامل أعلى منها درجة في تسلسل التاريخ.
وقد كنا حتى الآن نتسائل، عن العوامل التي تطور الإنتاج وقواه على مر الزمن، الأمر الذي انتهينا فيه إلى نتيجة لا تسر الماركسية. غير أن من الممكن - بل يجب - أن نتخطى هذا السؤال إلى نقطة أعمق، وأكثر إحراجا للمادية التاريخية، فنطرح السؤال على الوجه التالي: كيف مارس الإنسان عملية الإنتاج، ونشأت