هذا عرض سريع لمشاكل التداول أو المبادلة، وهو يوضح بجلاء أن هذه المشاكل قد نبعت كلها من النقد وسوء استخدامه في مجال التداول إذ اتخذ أداة اكتناز وبالتالي أداة تنمية للملك.
وقد يلقي هذا ضوءا على ما جاء في الحديث عن رسول الله (ص) أنه قال: (الدنانير والدراهم البيض مهلكاكم كما أهلكا من كان قبلكم) (1).
وعلى أي حال فقد عالج الإسلام هذه المشاكل النابعة من النقد، واستطاع أن يعيد إلى التداول وضعه الطبيعي ودوره الوسيط بين الإنتاج والاستهلاك.
وتتلخص النقاط الرئيسية في الموقف الإسلامي من مشاكل التداول فيما يلي:
أولا: منع الإسلام من اكتناز النقد، وذلك عن طريق فرض ضريبة الزكاة على النقد المجمد بصورة تتكرر في كل عام، حتى تستوعب النقد المكتنز كله تقريبا إذا طال اكتنازه عدة سنين (2). ولهذا يعتبر القرآن اكتناز الذهب والفضة جريمة يعاقب عليها بالنار. لأن الاكتناز يعني بطبيعة الحال التخلف عن أداء الضريبة الواجبة شرعا، لأن هذه الضريبة لدى أدائها لا تفسح مجالا أمام النقد للتجمع والاكتناز، فلا غرو إذا هدد القرآن الذين يكنزون الذهب والفضة وتوعدهم بالنار قائلا: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون} (3).
وعن هذا الطريق ضمن الإسلام بقاء المال في مجالات الإنتاج والتبادل والاستهلاك، وحال دون تسلله إلى صناديق الاكتناز والادخار.
وثانيا: حرم الإسلام الربا تحريما قاطعا لا هوادة فيه (4)، وبذلك قضي على الفائدة ونتائجها الخطيرة في مجال التوزيع، وما تؤدي اليه من إخلال بالتوازن الاقتصادي