أن ازدهار الإنتاج الصناعي في المدن (الفلمنكية) الصناعية، وفي الجزء الجنوبي من بلجيكا خاصة (الفلاندرز)، ورواج التجارة الرأسمالية بالصوف وسائر المنتجات على وجه العموم، وظهور أسواق كبيرة لتلك البضائع التجارية، هو الذي دعا الإقطاعيين الإنجليز إلى الاستفادة من هذه الفرصة، وتحويل مزارعهم إلى مراع، ليتمكنوا من تصدير الصوف إلى المدن الصناعية، واحتلال السوق التجارية للصوف، باعتبار ما يتمتع به الصوف الإنجليزي من ميزات جعلته أساسيا في نسج الأقمشة الصوفية الرفيعة (1).
وواضح من سياق هذه الأحداث وتتابعها، أن السبب الذي اعتبره ماركس الدعامة التاريخية لتكون المجتمع الرأسمالي في إنجلترا (طرد الفلاحين).. لم ينبع من النظام الإقطاعي نفسه. كما يفرضه المنطق الجدلي للمادي التاريخية فليس النظام الإقطاعي هو الذي ولد التناقض الذي قضى عليه، ولا العلاقات الاقطاعية هي التي أوجدت ذلك السبب الذي عني به ماركس، وإنما وجد بسبب ازدهار مصانع الصوف من الخارج، ورواج التجارة الرأسمالية بالأصواف. فالرأسمالية التجارية هي التي دفعت الإقطاعيين إلى الالقاء بجماهير الفلاحين في أسواق المدينة، لا العلاقات الاقطاعية... وهكذا نرى - حتى في الصورة التي قدمها لنا ماركس بالذات - ان النقيض للعلاقات الاجتماعية، قد تكونت أسبابه وشروطه، خارج حدود تلك العلاقات، ولم تنبع من نفس تلك العلاقات، التي لم تكن لتحقق تلك الشروط، لو عزلت من العوامل والمؤثرات الخارجية.
اعتراف ماركس:
وقد أدرك ماركس بعد ذلك أن عمليات اغتصاب الطبقة الإقطاعية، لا يمكن أن يفسر على أساسها التراكم الأولي لرأس المال الصناعي، وإنما تفسر تلك العمليات فقط: كيف وجد السوق الرأسمالي، العمال القادرين على العمل بأجرة،