وقد درسنا هذه النظرية الماركسية بإسهاب، في الكتاب الأول من اقتصادنا، واستطعنا أن نخرج من دراستنا بنتائج معاكسة للنظرية، تدينها فلسفيا وعلميا، وتبرهن على عجزها عن تفسير التاريخ (1). كما عرفنا في بعض البحوث السابقة موقف الإسلام من هذه النظرية، ورفضه تبعية التوزيع لشكل الإنتاج (2).
توجيه الإنتاج لضمان عدالة التوزيع:
والإسلام حين ينكر تبعية التوزيع لأشكال الإنتاج، وتكيفه تبعا لها بقوة القانون الطبيعي للتاريخ، كما تزعم الماركسية، لا يقطع الصلة بالمرة بين التوزيع وشكل الإنتاج. ولكن الصلة في رأس الإسلام بين التوزيع والإنتاج ليست علاقة تبعية موفقا لقانون طبيعي، وإنما هي صلة يفرضها المذهب، ويحدد فيها الإنتاج لحساب التوزيع، بدلا عن تكييف التوزيع طبقا لحاجات الإنتاج، كما تقرره النظرية الماركسية.
وتقوم الفكرة في هذه الصلة على أساس النقاط التالية:
أولا: إن الاقتصاد الإسلامي يعتبر قواعد التوزيع التي جاء بها ثابتة وصالحة في كل زمان ومكان (3)، لا يختلف في ذلك عصر الكهرباء والذرة عن عصر البخار، ولا عصر البخار عن عصر الطاحونة الهوائية والعمل اليدوي.
فعلى كل هذه العصور مثلا - تصح القاعد القائلة: إن من حق العام أن يقطف ثمار عمله.
وثانيا: إن عمليات الإنتاج التي يمارسها الفرد، تعتبر مرحلة تطبيق لتلك القواعد العامة في التوزيع (4). فإحياء الأرض الميتة، واستنباط عين الماء واقتطاع الخشب، واستخراج المعادن، كلها عمليات إنتاج. وهي في نفس الوقت تؤدي إلى تطبيق القواعد العامة للتوزيع على الثروات المنتجة. فمجال الإنتاج إذن هو ظرف تطبيق قواعد التوزيع.