وقد أشرنا في مستهل هذه البحوث إلى منطقة الفراغ هذه، وعرفنا أن من الضروري دراستها خلال علمية الاكتشاف لأن الموقف الإيجابي للدولة من هذه المنطقة، بدخل ضمن الصورة التي نحاول اكتشافها، بوصفه العنصر المتحرك في الصورة الذي يمنحها القدرة على أداء رسالتها، ومواصلة حياتها على الصعيدين النظري والواقعي في مختلف العصور.
لماذا وضعت منطقة فراغ؟
والفكرة الأساسية لمنطقة الفراغ هذه، تقوم على أساس: أن الإسلام لا يقدم مبادئه التشريعية للحياة الاقتصادية بوصفها علاجا موقوتا، أو تنظيما مرحليا، يجتازه التاريخ بعد فترة من الزمن إلى شكل آخر من اشكال التنظيم. وإنما يقدمها باعتبارها الصورة النظرية الصالحة لجميع العصور. فكان لابد لإعطاء الصورة هذا العموم والاستيعاب، أن ينعكس تطور العصور فيها، ضمن عنصر متحرك، يمد الصورة بالقدرة على التكيف وفقا لظروف مختلفة.
ولكي نستوعب تفصيلات هذه الفكرة يجب أن نحدد الجانب المتطور من حياة الانسان الاقتصادية، ومدى تأثيره على الصورة التشريعية التي تنظم تلك الحياة.
فهناك في الحياة الاقتصادية علاقات الانسان بالطبيعة، أو الثروة التي تتمثل في أساليب إنتاجه لها، وسيطرته عليها وعلاقات الانسان بأخيه الانسان، التي تنعكس في الحقوق والامتيازات التي يحصل عليها هذا أو ذاك.
والفارق بين هذين النوعين من العلاقات: أن الانسان يمارس النوع الأول من العلاقات، سواء كان يعيش ضمن جماعة أم كلا منفصلا عنها، فهو يشتبك على أي حال مع الطبيعة في علاقات معينة، يحددها مستوى خبرته ومعرفته، فيصطاد الطير، ويزرع الأرض، ويستخرج الفحم، ويغزل الصوف بالأساليب التي يجيدها. فهذه العلاقات بطبيعتها لا يتوقف قيامها بين الطبيعة والانسان على وجوده ضمن جماعة، وإنما أثر الجماعة على هذه العلاقات، أنها تؤدي إلى تجميع خبرات وتجارب متعددة،