قانونا حتميا للأوضاع الاقتصادية والإنتاجية!! ولماذا لم تتطور الرأسمالية التجارية إلى رأسمالية صناعية، كما حدث في منتصف القرن الثامن عشر، ما دامت رؤوس الأموال الكبيرة متوفرة عند التجار، وجماهير الأحرار التي كانت تزداد بؤسا وحاجة، حاضرة لتلبية طلبات الرأسمالية الصناعية، والاستجابة لمتطلباتها!! إن هذا يعني أن الشروط المادية للشكل الاجتماعي الأغلى كانت موجودة، فلو كانت الشروط المادية كافية وحدها لتطوير الواقع الاجتماعي، وكانت قوى الإنتاج في تطورها تخلق دائما الأوضاع، التي تنطلق في ضمنها وتنمو.. لوجب أن تنمو الرأسمالية في التاريخ القديم، وأن تستجيب لمتطلبات الإنتاج، ولكان من المنطقي أن تظهر الرأسمالية الصناعية، ونتائجها التي تمخضت عنها، في نهاية عهد الاقطاع، كتقسيم العمل الذي أدى إلى ظهور الآلات في الحياة الصناعية.
ولا يبرهن الواقع التاريخي على عدم ظهورها، وعلى عدم مواصلة الرأسمالية لنموها فحسب، بل هو يكشف بوضوح أن قيام النظام الإقطاعي قضى على الرأسمالية التجارية، وخنقها في مهدها نهائيا، إذ جعل لكل إقطاعية حدودها الخاصة، اقتصادها المغلق القائم على أساس اكتفائها بحاصلاتها الزراعية ومنتوجاتها البسيطة، فكان من الطبيعي أن يتلاشى النشاط التجاري، وتزول الرأسمالية التجارية، ويعد المجتمع إلى اقتصاد شبه بدائي من اقتصاديات البيت.
فهل كان هذا الوضع الاقتصادي، الذي مني به المجتمع الروماني بعد دخول الجرمان إليه، تعبيرا عن نمو تاريخي، ومواكبة لمتطلبات الإنتاج، أو كان نكسة خارجة على قوانين المادية التاريخية، وعقبة في سبيل النمو المادي وازدهار الحياة الاقتصادية؟؟!
وأخيرا وجد المجتمع الرأسمالي وأخيرا بدأ النظام الإقطاعي يحتضر، بعد أن أصبح مشكلة تاريخية وعقبة في وجه الإنتاج، تتطلب حلا حاسما. وكانت الشروط التاريخية قد خلقت هذا الحل