ما تقوله الماركسية في نظرية المعرفة، ولكنها بتأكيدها على الطابع الطبقي والحزبي للتفكير، وعلى استحالة التجرد من مصالح الطبقة، التي ينتمي إليها المفكر، تسير في طريق الطبقية للمفكر لأن كل مفكر لا يستطيع أن يدرك الواقع إلا في حدود هذه المصالح. فلا يمكن للماركسية حين تقدم لنا مفهومها عن الكون والمجتمع، أن تزعم لهذا المفهوم القدرة على تصوير الواقع، وإنما كل ما تستطيع أن تقره هو: أنه يعكس وما يتفق مع مصالح الطبقة العاملة من جوانب الواقع. فمعيار الحقيقة عند كل مدرسة فكرية، هو مدى اتفاق الفكرة مع المصالح الطبقية، التي تدافع عنها. وبهذا تصبح الحقيقة نسبية، تختلف من مفكر إلى آخر، ولكن لا بحسب التركيب العضوي والنفسي للافراد، بل بحسب التركيب الطبقي والمصالح الطبقية التي ينتمون إليها. فالحقيقة نسبية طبقية، تختلف باختلاف الطبقات ومصالحها، وليست نسبية موضوعية، ولا يمكن التأكد من احتواء الحقيقة على جانب موضوعي من الواقع، أو تحديد هذا الجانب فيها، ما دامت الماركسية لا تأذن للتفكير - مهما كان لونه - أن يتجاوز حدود المصالح الطبقية وما دامت المصالح الطبقية توحي دائما بما يشايعها من أفكار، بقطع النظر عن خطئها وصوابها وينتج من ذلك شك مطلق مرير، في كل الحقائق الفلسفية.
ج - - العلم:
ولا أريد أن أقف عند الأفكار العلمية طويلا، خوفا من الإسهاب. ولكننا لن نستمع - مهما وقفنا - إلا نفس النغمة، التي كانت ترددها الماركسية في الحقل الفلسفي، وفي كل مرفق من مرافق الوجود الإنساني. فالعلوم الطبيعية - في رأيها - تتدرج وتنمو طبقا للحاجات المادية، التي يتفتح عنها الوضع الاقتصادي، وتستنجد شيئا فشيئا تبعا لتطور الظروف الاقتصادية وتكاملها. ولما كانت هذه الظروف، نتاجا تاريخيا لوضع القوى المنتجة، وأساليب الإنتاج، فلا غرو أن تصل الماركسية