وسوف ندير البحث حول الجواب على هذه الأسئلة الثلاثة. حتى إذا انتهينا من ذلك، انتقلنا إلى المرحلة الثالثة، من درس المادية التاريخية، درس تفاصيلها ومراحلها المتعاقبة.
أولا: ما هو نوع الدليل على المادية التاريخية؟
ولكي تتاح لنا معرفة الأساليب، التي تستعملها الماركسية، للتدليل على مفهومها المادي للتاريخ، يجب استيعاب مجموعة ضخمة، من أفكار المادية التاريخية وكتبها لأن الأساليب معروضة بشكل متقطع، وموزع في مجموع كتابات الماركسية.
ويمكننا تلخيص الأدلة التي تستند إليها المادية التاريخية، في أمور ثلاثة:
(أ) الدليل الفلسفي.
(ب) الدليل السيكولوجي.
(ج -) الدليل العلمي.
أ - الدليل الفلسفي:
أما الدليل الفلسفي - ونعني به: الدليل الذي يعتمد على التحليل الفلسفي للمشكلة، وليس على التجارب والملاحظة المأخوذة عن مختلف عصور التاريخ - فهو: أن خضوع الأحداث التاريخية لمبدأ العلية الذي يحكم العالم بصورة عامة، يرغمنا على التساؤل عن سبب التطورات التاريخية، التي تعبر عنها أحداث التاريخ المتعاقبة، وتياراته الاجتماعية، والفكرية والسياسية المختلفة. فمن الملاحظ بكل سهولة، ان المجتمع الأوروبي الحديث مثلا يختلف في محتواه الاجتماعي، وظواهره المتنوعة، عن المجتمعات الأوربية قبل عشرة قرون. فيجب أن يكون لهذا الاختلاف الاجتماعي الشامل سببه، وأن نفسر كل تغير في الوجود الاجتماعي، في ضوء الأسباب الأصلية، التي تصنع هذا الوجود وتغيره، كما يدرس العالم الطبيعي، في الحقل الفيزيائي، كل ظاهرة طبيعية، في ضوء أسبابها، ويفسرها بعلتها لأن المجالات