وليست هي بحاجة إلى أي معنى لا مادي.
فأفكار الإنسان ومحتوياته الروحية، والطبيعية التي يمارسها على أساس هذا المفهوم الفلسفي، ليست كلها إلا أوجها مختلفة للمادة، وتطوراتها ونشاطاتها.
هذه هي المادية الفلسفية، ونظرتها العامة إلى الإنسان والكون. ولا يختلف في حساب هذه النظرة الفلسفية، أن يكون الإنسان نتاجا للشروط المادية، والقوى المنتجة، أو أن تكون شروط الإنتاج وقواه، نتاجا للإنسان. فما دام الإنسان، وأفكاره. والطبيعة، وقواها المنتجة، كلها ضمن حدود المادة - كما تزعم المادية الفلسفية - فلا يضيرها من ناحية فلسفية أن يبدأ التفسير التاريخي، بأي حلقة من الحلقات، فيعتبرها الحلقة الأولى في التسلسل الاجتماعي. فكما يصح أن نبدأ بالأداة المنتجة، فنسبغ عليها صفة الألوهية للتاريخ، ونعتبرها السبب الأعلى، لكل التيارات التاريخية. كذلك يمكن - من وجهة النظر المادية الفلسفية - أن نبدأ بالإنسانية، بصفتها نقطة الابتداء في تفسير التاريخ فكلاهما في حساب المادية الفلسفية سواء.
وبهذا يتضح أن الاتجاه المادي في الفلسفة، الذي يفسر الإنسان والطبيعة تفسيرا ماديا، لا يحتم مفهوم الماركسية عن التاريخ، ولا يفرض النزول بالإنسان، إلى درجة ثانوية في السلم التاريخي، واعتباره عجينة رخوة تكيفها أدوات الإنتاج كما تشاء.
فالمسألة التاريخية إذن، يجب أن تدرس بصورة مستقلة، عن المسألة الفلسفية للكون.
في ضوء قوانين الديالكتيك:
إن قوانين الديالكتيك، هي القوانين التي تفسر كل تطور وصيرورة، بالصراع بين الأضداد، في المحتوى الداخل للأشياء. فكل شيء يحمل في صميمه جرثومة نقيضة، ويخوض المعركة مع النقيض، ويتطور طبقا لظروف الصراع (1).
والماركسية تتجه في مفهومها الخاص، إلى تطبيق قوانين الديالكتيك هذه، على الصعيد الاجتماعي، واستعمال الطريقة الديالكتيكية، في تحليل الأحداث التاريخية،