فإن العالم الطبيعي، يستطيع أن يقدم أو يؤخر من تأثير قوانين الطبيعة، بما يحدث من تغيرات في وضع الطبيعة التي يجربها. لأن قوانين الطبيعة التي يجربها، لا تتحكم في عمله، فهو يستطيع أن يسيطر على تأثيرها، بما يهئ للتجربة من شروط. وأما العاملون في الحقل السياسي، فلا يمكنهم أن يتحرروا من قوانين التاريخ، وأن يسيطروا على تأثيرها. لأنهم دائما يعبرون عن جزء من العملية التاريخية، التي تتحكم فيها تلك القوانين.
فمن الخطأ - إذن - ان تقول الماركسيون شيئا عن السيطرة على قوانين المجتمع، كما أن من الخطأ أيضا أن توجه إليها المناقشة السابقة، التي ترمي إلى اعتبار النشاط العملي لغوا لا مبرر له، ما دمنا عرفنا أن النشاط العملي بما فيه الثورة جزء من قوانين التاريخ.
ولنأخذ الآن المناقشة الثانية: إن هذه المناقشة تسرد - عادة - قائمة من الدوافع، التي لا تمت إلى الاقتصاد بصلة، لتنفيذ القول بالعامل الاقتصادي، كعامل رئيسي. وليست هذه المناقشة بأدنى إلى التوفيق من المناقشة الأولى. فإن الماركسية لا تعني: أن العامل الاقتصادي هو الدافع الشعوري، لكل أعمال الإنسان، على مر التاريخ، وإنما ترتكز على القول: بأنه هو القوة التي تعبر عن نفسها، في وعي الناس، بمختلف التعبيرات. فالسلوك الواعي للانسان، يصدر عن غايات ودوافع إيديولوجية مختلفة، قد لا تمت إلى الاقتصاد بصلة، إلا أنها في الحقيقة تعبيرات سطحية عن قوة أعمق لأنها ليست إلا أدوات يستخدمها العامل الاقتصادي، ويحرك بها الناس، في الاتجاه التاريخي المحتوم.
ويجب أن نتجاوز بهذا الصدد عن بعض النصوص الماركسية، التي لم تقتصر على هذا القول، بل جنحت إلى التأكيد على اعتبار الاقتصاد غاية عامة للنشاط الاجتماعي، وليس قوة محركة من الخلف فحسب. فقد كتب أنجلز يقول:
((إن القوة ليست سوى وسيلة، وأن الغاية هي المنفعة الاقصادية. ولما كانت الغاية أكثر جوهرية من الوسيلة، التي تستخدم لضمانها، فإن الجانب